من بلد كان يوصف بأنه “سلة غذاء العالم” إلى بلد مهمش، ونصف سكانه مشردين، والنصف الآخر يعاني من الجوع وبحاجة ماسة للمساعدات، إذ بات يعيش السودان بعد عامين من استمرار الحرب ما وصفته الأمم المتحدة ب “اسوأ كارثة إنسانية في العالم”، و مشيرة الى ان البلاد “على حافة حرب أهلية”
حرب ابادة، وتطهير عرقي، وحرب أهلية قبلية، ومقومات داخلية لتقسيم البلاد، وإرهاق المجتمع، وطمس هويته، وتدمير بنيته التحتية، وإذابة كل قواه في الاقتصاد والسياسة، وبأمكان أن تكون هذه الحرب مستمرة وتتفاقم الأزمة أكثر في السودان لتحقيق اهداف ومطالب دول تسعى لفرض مشروعها على حساب الشعوب.
قبل أشهر من اندلاع الحرب في السودان نهاية عام 2022م كان هناك أكثر من 3.7 مليون نازح سوداني استقروا في مخيمات ولاية دارفور، وما يقارب المليون نازح ذهبوا كلاجئين إلى دول مجاورة كمصر وتشاد وإثيوبيا.
ومع اندلاع النزاع المرير بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو، زادت أعداد النازحين واللاجئين في الأشهر الأولى من الحرب، وبات هناك ما يقارب 4.3 مليون نازح سوداني، وتوسعت دائرة الحرب التي بدأت في ولاية دارفور لتشمل نحو 13 ولاية.
وفقا لمنظمات دولية فقد تسببت الحرب في توقف شبه تام للمؤسسات الصحية والتعليمية، وعادت بخسائر قدرت بنحو اكثر من خمسمئة مليار دولار، شملت تدمير كافة مفاصل البنى التحتية.
وبحسب منظمة اليونيسف فإن هناك اكثر من 19 مليون طفل سوداني حرم من التعليم، وتشرد اكثر من 14 مليون مواطن، بينما يواجه نحو 25 مليون سوداني (نصف السكان) خطر المجاعة.
كما لا يمكن أن نتغافل عن ذكر الانتهاكات التي ارتكبت بحق الأطفال والنساء أثناء الحرب من قتل واغتصاب وعنف واستعباد جسدي وجنسي، والتي بدورها شكلت خطرا جسيما على المجتمع المدني في السودان يصعب التعافي منها.
في مارس الماضي فرض الجيش السوداني سيطرته على العاصمة الخرطوم، اضافة إلى سيطرته الكاملة على شمال وشرق السودان وولاية الجزيرة، بينما انحصرت قوات الدعم السريع في أربع مناطق في ولاية دارفور واجزاء من ولاية كردفال والنيل الأزرق، وهي تقود نزاعها مع الجيش في شمال دارفور.
ويقف المجتمع الدولي عاجز عن ايجاد حلول لوضع حد للازمة في السودان، أو أنه اغلق جميع الأبواب والطرق التي بامكانها ان تقدم خططا لاحلال السلام، او حتى وقف إطلاق النار والتهدئة والذهاب الى مفاوضات سياسية بين طرفي النزاع، الا ان المجتمع الدولي الذي انصب اهتمامه على ازمة الصراع الروسي الاوكراني، واغمض عينيه عن الانتهاكات الفادحة التي تحصل في السودان كل يوم على مدار الثلاث سنوات الماضية في رسالة منه لضرورة استمرار الحرب داخل السودان طالما أنها حرب دائرة بين ابناء البشرة السمراء، فإن ذلك لا يسبب اي اكتراث حتى لو زادت اعداد الضحايا من المدنيين عن الخمسمئة الف بسبب القصف العشوائي.
في كل حرب غالبا ما يدفع الاطفال الثمن الأكبر، فماذا يعني مثلا مقتل 190 طفلا خلال اسبوعين فقط بواقع سقوط سبعة اطفال قتلى في كل ساعة ؟ ، وهناك 14 مليون طفل يعانون بشدة من صدمة الحرب، كما أن هناك ما بين 2.5 إلى ثلاثة ملايين طفل سوداني في حالة جوع. فأي مأساة يعيشه السودان، وأي جحيم يتكبده بسبب صمت المجتمع الدولي ؟
هناك تخوف من أن تستمر الحرب في السودان لعشرين سنة قادمة، ويمكن ان تتحول إلى حرب أقليمية تهدد مصالح استراتيجية في افريقيا إذ أن كلا طرفي النزاع مدعومين من اطراف أقليمية، إلا أن استقرار السودان بات بعيد جداً ولو استمر القتال، فعلى أوروبا التحضير لتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إليها.
