عن ميرا ديل مار أو أولغا شمس الحاج || الشاعرة الكولومبية التي أزهرت جذورها اللبنانية في أبيات الشعر

كتبه | أمين شيرازيان

رائحة الأرز وطعم زيت الزيتون، على الرغم من تجربتها العابرة في الطفولة، ستتخلل إلى الأبد في شعر “أولغا شمس الحاج”، الكاتبة الكولومبية المعروفة في عالم الأدب باسم “ميرا ديل مار”.

ولدت ديل مار في بارانكيا، بكولومبيا، عام 1922م لأبوين لبنانيين مهاجرين، وقد ترسخت صلتها بوطن أجدادها في البداية داخل جدران منزلها الناطق بالعربية، وبين الكتب العربية التي تزين رفوف مكتبة والدها – وهي كتب تأسفت لعدم قدرتها على قراءتها فيما بعد لعدم تعلمها اللغة العربية.

كانت رحلة طفولتها المحورية عبر المحيط الأطلسي في سن التاسعة، وهي زيارة إلى أرض أجدادها، قد حفرت مناظر لبنان الطبيعية – أشجار الأرز الأيقونية، وروح بيوته الصامدة – في روحها الشابة. إذ ستظهر هذه الصور التي لا تمحى لاحقًا كتيارات خفية لكنها قوية في صوتها الشعري.

على الرغم من قضائها لحياتها في أمريكا اللاتينية ولقائها الوجيز بلبنان، فإن “الوطن”، كما كانت تشير إليه، وجغرافيته ستلقي بظلالها باستمرار على أبياتها. وقد بلغ هذا الشوق إلى جذورها ذروته في مجموعتها التي صدرت عام 1981م والتي حملت عنوانًا مناسبًا هو “لمُّ الشمل”، وهو إعلان عن صلتها الدائمة بأصولها.

بدأت “ديل مار” رحلتها الأدبية في سن الحادية عشرة، عندما كتبت “أولغا شمس الحاج” أولى قصائدها، مستكشفة مواضيع الحب وعلاقتها العميقة بالطبيعة، وخاصة البحر – سواء المياه المألوفة لمدينتها الكولومبية الساحلية أو المحيط البعيد الذي عبره والداها.

وسعيًا إلى إخفاء هويتها عند تقديم أعمالها المبكرة للنشر، رغبة في حماية موهبتها الناشئة من نظرات العائلة والأصدقاء، تبنت الاسم المستعار “عميرة”، وهو اسم عربي تطور عبر “مايرا” قبل أن يستقر على “ميرا” الموحية. وإلى هذا، أضافت “ديل مار” – “البحر” – إشارة مؤثرة إلى الرحلة البحرية لأسلافها.

شجعها زملاؤها من الكتاب والشعراء على نشر مجموعتها الأولى، “فجر النسيان”، عام 1942م. وقد مثّل هذا بداية مسيرة أدبية غزيرة الإنتاج، بلغت ذروتها في أول أمسية شعرية كبرى لها في بوغوتا، بتنظيم من “إدواردو كارانزا”، أحد أبرز شعراء كولومبيا في ذلك الوقت.

وإلى جانب كتاباتها، كرست “ديل مار” ثلاثة عقود من حياتها لإدارة المكتبة المركزية في مدينتها، وهي مؤسسة ستحمل اسمها في النهاية، كدليل على مساهمتها الثقافية. وتعززت مكانتها في الأدب الكولومبي بانتخابها عضوة في الأكاديمية الكولومبية للغة وحصولها على الدكتوراه الفخرية من جامعات كولومبية مختلفة.

تجاوز شعرها الحدود، عبر الترجمة، ليجد قراء في الولايات المتحدة وإيطاليا. وفي عام 1995م، اعترفت الحكومة اللبنانية بصلتها العميقة بتراثها باحتفال أقيم في جامعة الكاريبي المستقلة.

تظل “ميرا ديل مار” شخصية بارزة في الشعر الكولومبي في القرن العشرين. وتخليدًا لإرثها الدائم، أنشأت الحكومة الكولومبية جائزة شعرية وطنية باسمها، تُمنح سنويًا لشاعرة كولومبية، داخل حدود الوطن وخارجه، لضمان استمرار أصداء جذورها اللبنانية وتربتها الكولومبية في التردد عبر أجيال من الكتاب.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.