تقف منصة “مدار 24” لاستذكار الشاعر والناقد العراقي الراحل فوزي كريم : في مثل هذا اليوم 17 / آيار من العام 2019م قبل ست سنوات ترجل ما عرف عنه بلقب “شاعر الموسيقى”، فوزي كريم الشاعر العراقي الذي عاش مخاض الشعر وعسره، ورحل غريبا عن وطنه العراق ومدينته بغداد، في خانات المنفى بلندن عن عمر ناهز ال74 عاما.
نستذكر شاعر ورسام وصحافي وناقد عراقي مميز هو الراحل فوزي كريم الطائي، من شعراء جيل الستينيات، والمولود في بغداد عام 1945م والذي تخرّج من قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة بغداد لعام 1967م، وغادر بغداد عام 1978م قبل بداية عهد الدم ودكتاتورية الخراب، ليعيش في لندن حتى وفاته حاصلا فيها على الجنسية البريطانية.
عمل مدرسا بعد تخرجه لفترة قصيرة، ثم تفرغ لنشاطه الأدبي والفني، وبدأ عمله الصحافي رئيسا لتحرير مجلة “البديل” التي تصدرها رابطة الكتاب والأدباء العراقيين، ثم انه واصل عمله الخاص بنشر مجلة خاصة بالشعر في لندن بعنوان “اللحظة الشعرية”، وقبل ذلك كان فوزي كريم قد عاش في بيروت ثلاث سنوات قبل ان يعود لبغداد ومنها هجرته الأخيرة إلى لندن.
اثنان وعشرون مجموعة شعرية، ما بقي من فوزي كريم، وما يربو على 18 كتابا في النقد والموسيقى والقصة، مختارات من قصائده طافت مترجمة إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والإيطالية والفرنسية والسويدية، وعده النقاد كواحد من ابرز شعراء الحداثة العربية.
بدأ فوزي كريم بإثراء الشعر العراقي والعربي منذ مجموعته الاولى “حيث تبدأ الأشياء” التي صدرت عام 1969م قبل ان يترك بغداد، وخلال اقامته في بيروت اصدر “أرفع يدي احتجاجاً” عام 1973م، وفي لندن واصل فوزي كريم كتاباته الشعرية ابتداءا من “عثرات الطائر” (1983)، و”مكائد آدم” (1991)، و”لا نرث الأرض” (1988)، و”قارات الأوبئة” (1995)، و”قصائد من جزيرة مهجورة” (2000)، و”السنوات اللقيطة” (2003)، و”آخر الغجر (2005)، إلى جانب “ليلُ أبي العلاء” (2007).
فضلا عن مجموعته القصصية التي حملت عنوان “مدينة النحاس” (1995). وفي السنوات الأخيرة من حياته اصدر كتابين في النقد هما الأول “القلبُ المفكّر، الشعرُ يُغنّي، ولكنه يُفكّر أيضاً” والثاني “شاعر المتاهة، وشاعر الراية، الشعر وجذور الكراهية” وفيهما يدرس رواد الحداثة الشعرية العراقية ابتداءا من بدر شاكر السياب وانتهاءا بسركون بولص. الى جانب مؤلفات أخرى.
ولا نغفل الذكر عن كتابه اللافت “ثيابُ الامبراطور، الشعرُ ومرايا الحداثة الخادعة” الذي صدر عام 2000م، وكتاب “العودة الى گاردينيا” (2004)، و”يوميات نهاية الكابوس” (2004)، و”تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي” (2006). اضافة الى سلسلة من الكتب الاخرى في مجال الموسيقى دارسا علاقتها بالشعر والفلسفة والتصوف.
ظل فوزي كريم لفترات طويلة مجهولا من العناية شعريا، ولم يلتفت له ربما بسبب زهده، او بسبب جرأته الشعرية، الا ان تجربته الشعرية حظيت باهتمام كبير بعد ان كشفت عن خصوصية اسئلتها.
كان الشاعر فوزي كريم يتمتع بروح ثقافية قوية انعكست بشكل واضح على كتاباته الشعرية، فكثيرا ما كان يحاول ان يمزج قصائده بالموسيقى مرة، وبالرسم مرة أخرى، او يستدعي معرفته الموسوعية في كتابة قصيدة لا تحيد عن النهج الذي لزمه على قلمه منذ بداياته والذي تمثل بالالتزام بالوزن، والموسيقى، والإيقاع.
عن أي نص يتحدث فوزي كريم؟ وأي حدثة يتطلبها الشعر؟ التفكيكية والبنيوية اماتت النص ونفت المؤلف، لذلك لا يستسيغ فوزي كريم الخوض في بواطن هذه المعارك النقدية، كما انه لا يحب المتنبي لأنه انشغل بالشأن العام، وأهمل الكتابة عن شأنه الخاص، على عكس المعري الذي فضح نفسه، ودون خلجاته ونوازعه وذاتيته، وكذلك يحاول فوزي كريم شعريا.
• منتخبات شعرية : “القصيدة تُغنّي، ولكنّها تُفكّر أيضاً”.
ما إن مددت يدي كي أُعانق
حتى رأيت يدي ارتفعت للوداع
***
ما أجملَ ذكرى من أحببتَ،
إذا ما ضعتَ بغاباتِ الذكرى،
من دونِ دليلْ.
***
طرّزت أحلامه الأولى..
سياجاتُ الطفولة،
حاملاً خطوي
إلى أقبيةِ الموت وسامْ
***
وطّنتُ النفسَ على الشعرِ الملعون،
لكنْ كم فسُدتْ كلماتي
وتعفّنَ فيها المعنى!
***
آه يا صوت بلادي
يا شراييني التي مزّقها نجم وضاعا
إنّني أقسم بالخبز الذي يحمل موتي
وبأيّامي التي تخطو مع الريح سراعا..
***
حلّقت دون أن يكون لي جناحان ولا مخلب
فمن أضاء رغبتي بسطوة النسر
وأعطاني مذاق الأفق
بيتي من زجاج
كلّما داهمني الإحساس بالنفي
وبعدي عن سرير النوم
أختضّ ويبتلّ جبيني
***
فاقتلعي يا ريحْ
جذري،
من قبضةِ الطينِ لكيْ أستريحْ.
***
ستقرأ شعري، وتعرفُ أن الكلامَ يحلّقُ مثل الطيورْ
جميلاً معافى،
ولكنّه إذ يحلّقُ، يتركُ فوقَ السطورْ
معانيه سودا،
وليسَ له ما لنا من ملاذٍ وملجأ.
***
العزلةُ ماءُ غديرْ،
يتأملُ فيها النرجسُ فتنتَه وزوالَ شبابه.
والموتُ مناجاةٌ للجسد،ِ تهدْهدُه
وتُهوّنُ من أتعابهَ.
***
أعطني قوتَ يومي،
ورغبةَ أن أتجاوزَ هذا الحُطامْ،
في طريقي إليك.
أيها الربُّ، إني وحيدٌ أمام عشائي الأخير
أتتبع خيطاً من النملِ يمتّدُ للقطعةِ الباردة
فوق مائدتي من بقايا الكلامْ.
وكما يُدفئُ اللحمُ بردَ العظامْ
يُدفيء اللحنُ سمعي،
إذا أنا أصغيتُ للنبْضِ أو حركاتِ الكواكبْ .
