نشر موقع هسبريس يوم الجمعة 27 يونيو 2025، وفي زاوية حادة، مقالًا لأحمد والزهراء تحت عنوان “كل عام هجري والأمة بخير.. متى يتوقف بعض المسلمين عن جلد الذات؟”.
يحمل هذا المقال رسالة إيجابية عن الأمل والنهوض، وهو أمر محمود في ظل التحديات التي تواجه الأمة. ومع ذلك، فإن التركيز على “التفاؤل” يجب ألا يأتي على حساب واقع مرير تعيشه شعوب كثيرة، وإلا تحوّل الخطاب إلى تمويه على حقائق مؤلمة، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول المعايير التي استند إليها كاتب المقال في تقييمه لـ “إنجازات الأمة”.
إن التبشير بالنهوض والتقدم من خلال أمثلة لدول محددة، مع تجاهل السياقات الكاملة والآثار السلبية لبعض السياسات، يطرح علامة استفهام كبيرة حول موضوعية الطرح. فالمقال يشير إلى تجارب نجاح اقتصادي في بعض الدول مثل السعودية، الإمارات، وقطر، لكنه يغفل الإشارة إلى جوانب أخرى حيوية، منها:
• السياق الإقليمي والتحديات الإنسانية
عندما يتحدث المقال عن “إنجازات الأمة”، هل يمكننا أن نتجاهل أزمات إنسانية خطيرة؟ الإشارة إلى السعودية كنموذج للنهوض، دون ذكر دورها في حرب اليمن وما نجم عنها من أزمة إنسانية وتجويع للشعب اليمني، هو إغفال كبير ومثير للاستغراب. الحديث عن “أمة” بينما تُقصف وتُحاصر شعوب عربية وتُعانى من الفقر والويلات، يجعل مفهوم “النهوض” الذي يطرحه المقال سورياليًا بامتياز ومثيرًا للضحك، ويحير المرء عن أية أمة يتحدث كاتب المقال.
إن كرامة ومجد الأمة الإسلامية لا تُقاس ببعض الإنجازات الاقتصادية المجردة. هذه الإنجازات، بقيمتها الظاهرة، لا يمكن وضعها بمنأى عن سياقاتها، مثل التريليونات التي منحتها دول الخليج لحكومة ترامب، وهو بحد ذاته مؤشر إذلال كبير لأبناء الأمة. يبدو أن كاتب المقال يعيش في كوكب آخر ولا يستطيع أن يرى عجز هذه الأمة في إيقاف المجازر التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء في غزة. هل هناك من عجز أكبر وأشد من هذا العجز؟ ففي الوقت الذي نرى فيه مسيرات غاضبة ومنددة بجرائم إسرائيل في عواصم ومدن الغرب، يخيم الصمت المطبق على الشارع العربي باستثناء مظاهرات معدودة ومحدودة.
عن أية كرامة يتحدث كاتب المقال وأمة المليار مسلم عاجزة عن إيصال الطعام والماء والدواء لأهل غزة الذين فتكت بهم الأمراض والمجاعة، حتى صار الحصول على كيس من الطحين مقرونًا بسفك دماء المدنيين في غزة؟
• الوضع المعيشي للشعوب
يركز المقال على مؤشرات اقتصادية كلية لدول معينة، ولكنه لا يتطرق إلى واقع المعيشة للمواطن العادي. فأي إنجازات لـ “الأمة” وهناك شعوب عربية تعيش غالبيتها تحت خط الفقر؟ الإحصائيات الاقتصادية وحدها لا تعكس الصورة الكاملة إذا لم يلمس هذا التقدم حياة الأفراد ويحسن من ظروفهم المعيشية، ويضمن لهم حقوقهم الأساسية من تعليم وصحة وكرامة.
• جلد الذات أم نقد بناء؟
يتهم المقال الخطاب السائد بـ “جلد الذات”، لكن هل يعتبر النقد البناء والمواجهة الصريحة لمواطن الخلل والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا “جلدًا للذات”؟ أم أنه ضرورة للوصول إلى حلول حقيقية؟ إن تجنب ذكر الأخطاء والانتهاكات والتركيز فقط على جوانب الإيجابية، قد يؤدي إلى حالة من الإنكار تمنع التطور الحقيقي.
• التناول الطائفي والتحريض
من المثير للقلق أيضًا، اختيار الصورة المرافقة للمقال، والتي يبدو أنها صورة للانتقاص من طائفة محددة من المسلمين. إذا كان هدف المقال هو لم شمل الأمة وتعزيز وحدتها، فإن هذا الاختيار يضر بالرسالة الأساسية ويجعل المقال يندرج في زاوية المقالات الطائفية البغيضة، بدلًا من أن يكون خطابًا جامعًا.
يمكننا أن نتحدث عن كرامة الأمة حين يتم نبذ الطائفية والمذهبية، وحين يتم بناء مشروع وحدة الأمة الإسلامية. وهذا ما تموه عليه هسبريس، فهي عنصر مساهم في التأجيج الطائفي من خلال الصورة التي اعتمدتها للمقال، ولسنا بحاجة إلى تحليل سوسيولوجي ومعرفي للصورة فهي تتقصد تأجيج روح الكراهية والحقد ضد أبناء مذهب من المذاهب الإسلامية.
إن التفاؤل والأمل ضروريان، ولكن يجب أن يبنيا على فهم شامل للواقع، يتضمن الاعتراف بالإخفاقات والأخطاء، والتعامل معها بشفافية ومسؤولية. “أمة المليار مسلم” ليست مجرد أرقام اقتصادية أو مشاريع عملاقة، بل هي شعوب تعاني وتطمح. ولا يمكن الحديث عن “نهوض” حقيقي دون معالجة قضايا الفقر، الظلم، والنزاعات التي تدمر حياة الملايين.
نأمل أن يكون العام الهجري الجديد فرصة لمراجعة أعمق وأكثر شمولية، لا تكتفي بتزيين الصورة، بل تسعى لمعالجة الجراح الحقيقية التي تنزف في جسد هذه الأمة.
