الغبطة العالية في ترجمة قصائد الشاعرة الأرجنتينية “أليخاندرا بيثارنيك”
كتبه : مجاهد مصطفى
كنت كلما قرأت قصائد للشاعرة الأرجنتينية “أليخاندرا بيثارتيك” ،أشعر بتيه لذيذ في عوالمها الرمزية ،وتضاريس نصوصها المتشابكة مع ندوب روحها الشعرية وأحلامها الزرقاء التي تنير مسالك الحنين إلى المرجأ تارة ،وإلى الوقتي الذي أبدته عين فاحصة بذاكرتها الفسيحة إلى حد النسيان المنتج ، والغميس في مدارج الذات ومداخلها المتعددة بتعدد الرؤى وتنوع المسارب تارة أخرى.
لذلك، تتميز قصائد الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك بالجدة والفرادة ،حيث تنطلق في كتابتها الشعرية النوعية من إحساس عميق بهشاشة الوجود ،ومعابر الذات المترعة بالخصوصية التي تلجأ إلى المحو السعيد في نزيفه ،وهو يتقصى ألمه السامق ووجع الاجتياز.
إنها شاعرة الشك العالي والعاري من أي يقين.وبالتالي،فإن نصوصها الشعرية هي رسم لمعالم تنصت بعمق لعنف الوجود عبر مقاربات عديدة تختزل الكائن في الكلمة والفعل الشعريين ،وهما يستأنسان بالغياب الحاضر بجروحه الرمزية ،التي تبتغي النقصان ووهم الامتلاء المسرور بهشاشته، حيث يتناسل ألمها النازف بحرقة الأسئلة وهي تكتب ندوبها على بياض الروح ومفارقات مآزقه ،التي توميء بقدر ما تشير إلى قسوة الآخر المتعدد (الحبيب، الأحلام، الموت، الصوت الداخلي ،الحياة الضائعة ،تصدعات المنفلت والعابر….) في صراعه مع الأنا الشاعرة ،وشساعة مخيلتها التي تومض في ليل الشعر ونهار القصيدة .
إنها درس في الاستماع إلى صوت ماء القصيدة ونبرته الخافتة إلى حد الصرخة الإنسانية التي تشير إلى وجعها المقيم في مخاوف الفزع الذي يرتل أنينه ومأساته الوجودية ،التي تتأبط استياءها أثناء سفرها الأبدي في عتمة الذاكرة الرهيبة.
إنها شاعرة الصمت الضاج الذي يتكلم بإصرار،وهو يمعن في رحلته نحو مجهول البيان ،وأقاصي المضمر الذي يتخذ الحلم فضاء يستقصي من خلاله المسكوت عنه في مؤاخاته للسؤال ومصاحبته للقلق الشعري ومزالقه السعيدة في عذاباتها الثاوية في جسدها الحي الى درجة الإيمان بالارتياب وهو يغازل القصيدة في عزلتها القاسية ،في مواجهة مستميتة لإكراهات اليومي ،وذلك من خلال إعادة ترتيب ليلها الداخلي ،عبر الاحتواء بالصمت ومهاوي الكتابة المنتصرة لجراحها المستدامة.
تلك هي رؤيتي لقصائد الشاعرة أليخاندرا،وهي تخصني وحدي ،أثناء ترجمتي لنصوصها ،كمتعة روحية ذات أبعاد جمالية آسرة ،وقد علمتني كيف ألج عوالمها بدهشة الطفولة وحيرة المحبوب ،بغية ارتياد أصقاع غير معهودة ،بجنون العارف لمتاهات الارتياب الحكيم .
___________________________
* مجاهد مصطفى : شاعر ومترجم من المغرب
