في ذكرى رحيل أديب عراقي أعدمته السلطة || حسن مطلك قاوم السلطة بالكتابة

خاص | مدار 24

منصة “مدار 24” تستذكر الأديب العراقي الراحل حسن مطلك، الشاعر والروائي والأديب والفنان، الذي قارع تعسف المجتمع وطغيان والسلطة بالفن، والكتابة، والروح، الأديب الذي رحل مبكراً وكأنه تنبأ بموته حين قال : “قريبة هي الساعة التي سأقول فيها لكل شيء: وداعاً”

في قرية صغيرة من قرى صلاح الدين، اكتشف الطفل “حسن” موهبته في فن الرسم، وصار يعبر عن أفكاره بالقصص والرسوم الساخرة. تمرد على محيطه على الفور وعلى السلطات، منذ بداية وعيه، حتى أعدم وهو في التاسعة والعشرين من عمره.

وُلد حسن مطلك روظان عام 1961م في قرية سديرة التابعة لقضاء الشرقاط شمالي العراق، بمحافظة صلاح الدين لأسرة متدينة ومحافظة، في بيئة لا تعرف الفن، ولا تقبله، وسرعان ما اصطدم بواقعه حين اكتشف موهبته الفنية مبكراً، وهو في الصف الرابع الابتدائي، عندما كلّفه معلمه برسم لوحة عن “الراعي”.

لم يرَ في المهمة واجباً فقط، فانطلق إلى البراري يرسم الغنم بإبداع طفولي مدهش، فمنحه المعلم أول علبة ألوان في حياته، ومن هناك كانت اللوحة الأولى.

رسم بكل ما توفر له من أدوات، حتى حين حُرِم من الورق، راح يرسم على الجدران وأغلفة الكتب والأرض. واجه رفضاً شديداً من أسرته ومجتمعه، لم يتراجع، بل أصرّ على طريق الفن، حتى أقام أول معرض تشكيلي له وهو مراهق في إعدادية الشرقاط عام 1975، ونال عنه جوائز من مديرية التربية.

رغب بدراسة الفن أكاديمياً، لكن عائلته حالت دون ذلك، فالتحق بقسم علم النفس في جامعة الموصل عام 1979، معتقداً أن هذا التخصص سيساعده في فهم النفس الإنسانية، وتعميق رؤيته الفنية والأدبية.

في الموصل تفتّحت مواهبه في الكتابة والرسم، وأقام معارض كاريكاتير ساخرة وقاسية، وبدأ ينشر قصصه في الصحف المحلية، فظهرت لغته المختلفة، وتمرده المبكر، وآمن دائماً أن “بالحلم يَتَجَدَّد كل شيء”.   

في الجامعة، أصدر مع زملائه مجلة “المُربّي”، وكتب فيها نصوصاً أدبية ونقدية تعكس رؤاه في الفن والتصوف والجمال، ووقّع رسوماته الكاريكاتيرية باسمٍ مقلوب ساخر “نسح كلطم ناظور”. كتب قصصاً، واشتغل بمشروعه الروائي الأول “دابادا” سنوات، وأصدره لاحقاً في بيروت على نفقته الخاصة، بعد أن رفضت المؤسسات العراقية نشره.

عند تخرجه عام 1983، سِيق إلى الخدمة العسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية، فعاش في الجبهات سنواتٍ من القصف والموت والخذلان، ورفض عروضاً لتسهيل خدمته مقابل تمجيد النظام أو رسم صورة للديكتاتور.

ظل صامداً ومتمرداً، حتى اشترك عام 1990 في محاولة انقلابية ضد النظام الحاكم. فشل الانقلاب، واعتقلته السلطات في 7 كانون الثاني 1990، وعذّبته أشهراً، ثم أعدمته شنقاً في محكمة الثورة دون محاكمة عادلة، يوم 18 تموز عام 1990م.

ترك أثراً بالغاً في الأدب العراقي، رغم حياته القصيرة، بروحه القلقة، ولغته الفريدة، وتمرده الدائم على السلطة والقوالب. بعد رحيله نشر شقيقه الأصغر، الروائي والمترجم محسن الرملي، رواياته ومقالاته وأعماله الفنية، لتبقى شاهدة على فنانٍ لم يخُن إيمانه بالجمال والحرية.

ولشدة توقه للحرية وشدة حبه لوطنه، كُتب على شاهدة قبره، عباراته: “أغار على وطني… اشتقتُ إلى الحرية من أجل الذود عن الحرية”.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.