سلم سكاربا .. قصائد من هولندا || آريين داينكر

ترجمة : د. إبراهيم استنبولي - سورية

• تقديم :

من بلد السلالم والأدراج والثلج وزحمة الناس والأفكار والعتبات والنوافذ المتلاصقة بالسرّ والهمس الشفيف، نقدم هذه القصائد، وفي السلّم – مكان اللقاءات والتصادمات، التعارف والذكريات، مكان للحبِّ والموت من منظور أبطال الشاعر الهولندي آريين داينكر.

ففي هولندا، التي تُعتبر الأعلى من بين البلدان الأوروبية من حيث كثافة السكان، لن يكون غريبًا أن نرى كيف إنَّ السلّم في البيوت يلعب دور الجسر بين فوق وتحت. وقد قام المهندس المعماري الإيطالي “كارلو سكاربا” بتصميم سلّم فائق الروعة يتناغم بصورة عضوية مع المظهر الداخلي التاريخي للقصر الموجود في متحف كاستلفيكو في مدينة فيرونا؛ ولقد أثار تصميم هذا السلّم مشاعر آريين داينكر الذي أعتاد منذ الطفولة على رؤية السلالم.

إنه السلّم يغنّي منذ الأزل. إنه السلم يغنّي مثل البشر الذين لم يتعلموا الغناء، إنه السلّم يغنّي مثل شجرة لا تكاد تملك ظلاً، إنه السلّم يغنّي مثل رحّالة يجلس دائماً في البيت. هذا السلّم هو العالم… أو إنَّ العالم – هو السلّم… نحن نقف على درجات مختلفة، نصعد ونهبط، نتحدّث ونصغي ونعيد… هكذا هي الحياة… هكذا هي اللعبة.

سلّم سكاربا ملحمة شعرية مُكتظة بالدلالات والدهشة وبالمعاني الثرّة التي تُحوِّل تفاصيل المكان والبرهة المعيشة إلى فضاء يتعرج بين الماضي والحاضر والمستقبل لكأنَّه كُرة لا بداية لها ولا نهاية لِشدّة الولع بالمنمنمات اليومية وبالمشاعر الإنسانية عبر لغة شفيفة حينا وساخرة جارحة حينا آخر.

آريين داينكر : (Arjen Duinker) شاعر وكاتب هولندي، ولد عام 1956م في مدينة دلفت بهولندا، وقد صدرت له روايات، وعدة مجموعات شعرية منها : “إن لم يكن الأمر على هذه الشاكلة”، “أطفال الحي”، “شمس العالم”، “الشاطىء الأحمر”، “سلم سكاربا”، و”قصائد متفرقة”، وترجمت قصائده الى العديد من اللغات العالمية، ونشرت دواوينه في فرنسا، إيطاليا، لندن، استراليا، روسيا، وإيران.

• مختارات من النص :

سكاربا يخاطب الجميع:

“أودّ لو أعرف،

إنْ كنتُ سآخذ ذكرى عن إبداعي

إلى جزيرةٍ غير مأهولة.

ها – ها! أظن فقط في حال فُرِضَ عليَّ أن أختار!

كان بمقدور الدرجات أن تستنزفَ الأسماكَ،

ولكانت هذه أضاعت جميع ألوانها”.

▪️

سكاربا يخاطب المرأة ذات الوجه المنمّش:

“لم أخشَ الموتَ في يوم من الأيام بتاتاً .

سلّمي، برغم أنه مُلكٌ للريح،

لا علمَ له لا بالخير ولا بالشر ولا بما شابه.

لا يعرف الغيرة، لا يعرف الحرية، ولم يخشَ موتي أبداً .

وهو لن يتفجّع على رحيلي،

ولن يفكر بتصرفاتي.

إنَّ أبسط شيءٍ من بين كل ما أنجزتُه

هو تأمّل هذا السلّم.

فالمادة لن تلجأ للاحتجاج على الإطلاق…”

▪️

المرأة ذات الوجه المنمّش تخاطب الجميع:

“أودُّ لو أحيا على هذه الدرْجات.

وأن أقوم بطلاء أظافري، وأن أشبك شعري.

أن أغسل الثياب، وأنظِّف أسناني.

أن أمسحَ وجنتيَّ وأن أطلي شفتي.

لكان مظهري شبيهاً بعالمي الداخلي تماماً.

ولكان القمر جاء إليَّ ليكذب

بشأن الوظائف المخاتلة للزمن.

كنتُ أصبحتُ غير مرئية، ولا يمكن القبض عليَّ. ..

ولكانت أعضاء الحسِّ عند الموت

راحت تُراقب كيف إنَّ هذا السلّم

يُحبّني”.

▪️

المطرب الهندي يخاطب المرأة صاحبة الأقراط:

“هذا السلّم يَصدح منذ الأزل.

هذا السلم يصدح مثل الناس الذين لم يتعلموا الغناء، هذا السلّم يصدح مِثلَ شجرةٍ تكاد تكون بلا ظلّ، هذا السلّم يصدح مثل رحالة لا يبرح منزله أبداً .

مَن ذا الذي يصعد على الدرّجات قليلة العدد لهذا السلّم، مَن ذا الذي يهبط على بعض الدرجات القليلة لهذا السلّم؟ يست الريح مَن يسودُ على هذا السلّم، بل الرغبة بأن تخسرَ نفسكَ في التجليات الكثيرة للريح.

▪️

ومع ذلك، أنا أتساءل أحياناً،

لماذا يحدث أمرٌ ما بينما أمرٌ آخر لا يحدث،

وأنا أطرح على نفسي هذا السؤال أثناء ليالي الأرق،

كما أسأل أنا شخصياً بالذات علماء الفلك عن ذلك، وأسأل الناس الذين يقفون معي في الطابور،

بغض النظر عن طريقة وقوفهم أو تسريحة شعرهم،

كما أسأل عن ذلك أيضاً بائعي وبائعات

المكسّرات والفواكه، والأقمشة،

وجميعَ أولئك الذين يعملون ببراعة.

أسأل عن ذلك

أحدَ ركّاب الحافلة،

لأنني أومن بالمصادفة،

كما أسأل عن ذلك الحلاقين والمدلّكات، لأنهم خدومون!

أما الأرواح فلا، لا أسألها البتة عن شيء.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.