دينٌ يتغذى على الموت مقتطفات من حوار مع الروائي خوسيه ساراماغو

ترجمة : محسن شلالدة _ فلسطين

أدناه مقتطفات من مقابلة أجراها الإعلامي ميغيل مورا عام 2005 مع الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو، ويدور الحديث عن رواية ساراماغو “انقطاعات الموت”.

__________________________________

س: يبدأ الكتاب بعبارة “في اليوم التالي، لم يمت أحد”، وتبدو عبارة ساخرة، وهذا أسلوبٌ لم نعهده منك.

ج: ليست ساخرة تماماً، بالرغم من أن فيها شيء من النقد، ربما من الأفضل وصفها بعبارة “ناقدة” للعادات والمؤسسات، ردة فعل الشعب في حضور الموت وغيابه. القضية هي: ماذا سيحدث لو كنا كائنات خالدة.

س: الإجابة الأولى في الرواية هي أنه بدون الموت سيشعر الكثير من الناس بالأسى.

ج: الموت أمرٌ خطير ولا يكون دائماً مرتباً وناعماً. بالرغم من أن الموت ليس هو الفكرة المهيمنة في الرواية، إذا اختفى الموت فجأة، إذا توقف الموت عن القتل، سيبدأ الكثير من الناس بالخوف: حفارو القبور، وكلاء التأمين، دور رعاية المسنين. حتى أن بعض الدول لن تعرف كيف تسد فواتير المتقاعدين.

س: تبدو كمزحة، لكن الموضوع جاد لأن التقدم في العمر أمر مستمر.

ج: بالفعل أمر جاد، يستطيعون دفع فواتير المتقاعدين حتى عام ٢٠١٥، بعد ذلك، لاندري ماذا سيحدث. كان هذا جزء من فكرة الرواية، الكشف عن مواضيع جادة وفي نفس الوقت أن تظهر بشكلٍ مرحْ.

س: أكثر من فكاهي، تبدو روايتك تهكمية، شيءٌ لم نعهده منك كذلك.

ج: الفكاهة ليست أمراً جديداً في رواياتي، أعتقد أنه بطريقة أو بأخرى تظهر دائماً في كل ما أكتبه. الجديد عندي هي الهزلية، الراوي عندي هزلي أكثر من أي وقت مضى، أو على الأقل هذا ما قاله كل من ضحك أثناء قراءة الكتاب.

س: الهزلية تهبط أحياناً عند الحديث عن مواضيع فلسفية مثل الموت.

ج: الحقيقة هي أنني لم أنوِ أن أكون هزلياً، جاء الأمر صدفة. أعترف أنني كنت مستمتعاً وأنا أكتب عن أمرٍ حساس كالموت، على الرغم من أننا نعلم جميعاً بأنه لا يمكن الضحك على الموت لأنه هو من يضحك علينا. لا يجب أن نعتبر الموت كياناً، “حاصدٌ عابس” ينتظرنا، بل شيئاً موجوداً داخلنا نحمله معنا وعندما يتفق الجسد مع الموت، تنتهي حياتنا.

س: تتحدث الرواية كذلك عن استحالة الخلود.

ج: الخلود أمرٌ مقيت. على الرغم من أن الفرد يعيش ٢٠ سنة في طفولته، ٥٠ سنة في بلوغه، ٨٠ و ٩٠ سنة في نضوجه، إلا أن التقدم في العمر سيأتي لا محالة، وتبدأ الدراما من تلك النقطة. هل يمكن أن نتخيل الخلود عند التقدم في العمر؟ من الأفضل أن لا نفكر في الموضوع، من الأفضل أن نعتبر الموت أمراً روتينياً يومياً.

س: هل هنا يظهر ساراماغو المتشائم؟

ج: ليس موضوع تشاؤم، بل استسلام للأدلة.

س: هل عازف الكمنجة المغرم بالموت المتمثل على شكل امرأة دون أن يعرف من هي، يشعر كما تشعر؟

ج: لو أنني نظرت إلى الماضي، بطل جميع رواياتي هو رجلٌ منعزل، كذلك الأمر في هذه الرواية حيث أنه خجول، وليس لديه عائلة، لم أعش وحيداً ولا أحب أن أضع تجاربي الشخصية في رواياتي.

س: من أين أتت فكرة الرواية؟

ج: كنت في مدريد، أعيد قراءة ريلكه، ولا أعلم فيما إذا جاءت الفكرة مباشرة من كتاب (مذكرات مالتي لوريدز بريغ)، أم لا، لكن عندما أنهيت الكتاب، خطرت لي الفكرة. دائماً يحدث معي هذا الشيء، ولذلك أقول قد تكون هذه آخر رواية لي، لأنني لا أكتب عن أي شيء، يجب أن أمتلك الفكرة في البداية. فكرتُ “ماذا لو لم يكن الموت قادراً على قتل شخصٍ ما؟” كانت هذه شعلة الفكرة. لم أفكر بالموت في حالة “إضراب” في جميع أنحاء الدولة، وهذا ما حدث في الجزء الأول من كتابي. ذلك التطور حدث في ما بعد.

س: أتذكرُ بين أمورٍ أخرى، تساهم فكرة الموت في سلطة ونفوذ الكنيسة.

ج: أسوأ من ذلك. المشكلة هي أن الكنيسة تحتاج الموت لدعم وجودها. بدون الموت، لن يكون هناك كنيسة، لأنه لا يوجد بعث وقيامة. المسيحية تتغذى على الموت. حجر الأساس الذي بني عليه صرح الكنيسة اللاهوتي والإداري والايديولوجي والقمعي سينهار إذا اختفى الموت. هذا ما جعل الأساقفة في الرواية يطالبون بحملة للصلاة والدعاء من أجل عودة الموت. يبدو الأمر وحشياً، لكن بدون الموت والبعث، لن تستمر الديانة في إرشاد سلوكنا في الحياة من أجل أن نستمتع في الحياة الآخرة.

س: في هذه اللحظة، كافاكو سيلفا هو المرشح الرئاسي في البرتغال.

ج: نعم، جعلني ظهوره أنبش جثة الرقابة التي عشتها عندما كان رئيساً للوزراء. قامت حكومته بعمل فاشستي

ديكتاتوري. لذلك سأدعم ماريو سواريز إذا كان هناك جولة ثانية. بالرغم من إنني أدعم جيرونيمو دي سوسا من الحزب الشيوعي، اذا وصل كافاكو للجولة الثانية مع سواريز، سأنتخب سواريز. ما يقلقني هو لامبالاة الشعب. يستحيل أن يكون هذا الشعب هو الشعب الذي كان يوماً ما محارباً شجاعاً في جميع أوروبا قبل ٣٠ سنة.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.