شهرزاد السينما الإيرانية تغادر العالم بصمت

متابعة | مدار 24

أثار خبر وفاة الممثلة والمخرجة والشاعرة الإيرانية المخضرمة “كُبرى أمين سعيدي”، المشهورة باسم “شهرزاد السينما الإيرانية”، موجة من الحزن والأسى بين الفنانين والسينمائيين في إيران. وكانت شهرزاد قد توفيت مساء الاثنين 18 أغسطس عن عمر يناهز 75 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، وسط تجاهل إعلامي تام من الحكومة الإيرانية.

وفقًا لما ذكره رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن المقطع المصوَّر الذي نُشر على تطبيق “إنستجرام” قبل وفاة الفنانة شهرزاد بفترة من الوقت، وتظهر فيه علامات الكهولة والإنهاك الشديد على وجهها، خلَّع قلوب الكثير من المتابعين.

وُلدت كبرى أمين سعيدي في 9 ديسمبر 1950 في منطقة “ميدان سكة الحديد” بطهران. بدأت مسيرتها الفنية في سن صغيرة، ففي سن الرابعة عشرة، عملت كراقصة بملاهي شارع “لاله زار”، وفي سن التاسعة عشرة، جسَّدت دور الراقصة “سهيلا فردوس” في فيلم “قيصر” من إنتاج عام 1969، وتأليف وإخراج “مسعود كيميايي”، وبطولة النجم الإيراني الكبير “بهروز وثوقي”.

لم تظهر كبرى في الفيلم باسمها الحقيقي، وفضلت استعمال الاسم المستعار (شهرزاد)، ومنذ ذلك الوقت، غدا هذا الاسم لقبها وشهرتها الفنية في إيران.

يُعتبر فيلم “قيصر” واحدًا من أوائل أفلام “الموجة الجديدة” وأهمها في السينما الإيرانية التي بدأت في أواخر الستينيات، وباتت تعبر عن الواقع الإيراني وقضاياه، ومثَّلت البداية الحقيقية للسينما الإيرانية باعتبارها سينما لها ملامحها الخاصة والمتفردة عن نظيراتها في العالم.

بعد دورها في فيلم “قيصر” وأدوار صغيرة في أفلام اخرى، قدَّمت شهرزاد أدوارًا مؤثرة في عدد من الأفلام القيمة مثل: “داش آكل” للمخرج “مسعود كيميايي” المقتبس عن قصة قصيرة بالاسم نفسه للأديب الكبير “صادق هدايت” عام 1971، “صبح روز چهارم: صباح اليوم الرابع” للمخرج “كامران شيردل” عام 1972، “تنگنا: الضائقة” للمخرج “أمير نادري” عام 1973.

كما حصلت شهرزاد على جائزة من مهرجان “سباس السينمائي” الذي كان يُقام بالتعاون بين “مجلة فيلم و هنر: السينما والفن” ووزارة الثقافة والفنون الإيرانية قبل الثورة.

في بداية السبعينيات، انضمت شهرزاد إلى “السينما الحرة”، احتجاجًا على الأفلام السائدة في السينما الإيرانية آنذاك، المعروفة باسم “فيلم فارسي”، وأخرجت عددًا من الأفلام القصيرة، وبذلك تُعتبر من أوائل المخرجات في تاريخ السينما الإيرانية.

“الفيلم الفارسي” هو نمط سينمائي يشبه ما كان يُسمى لدينا بأفلام “المقاولات” التي هيمنت على السينما المصرية أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكانت تقوم على الابتذال السافر والمبالغة في كل شيء.

خلال تلك الفترة؛ قامت شهرزاد بنشر عدد من القصائد والقصص القصيرة في صحيفتي “آيندگان: القادمون” و”كتاب الجمعة”، حيث شملت المجموعة الشعرية “با تشنگی پیر می‌شویم: سنهرم عطشًا”، وقصة “سلام؛ آقا: سلامًا سيدي”، وقصة “توبا” التي تروي بها سيرتها الذاتية في قالب قصصي.

ما بين عامي 1975 و1977، أخرجت شهرزاد فيلمين؛ الأول قصير بعنوان “آرزوى بزرگ مریم: أمنية مريم الكبرى”، والثاني طويل بعنوان “مريم وماني”.

يعد فيلم “مريم وماني” فيلمًا نسويًا بحتًا صناعةً ومضمونًا، فقد قامت بتأليفه وإخراجه شهرزاد ولعبت دور البطولة فيه الممثلة الإيرانية القديرة “بوري بنايي”، وتدور أحداثه حول امرأة تعيل أسرتها الكبيرة.

تم الانتهاء من تصوير الفيلم قبل الثورة الإيرانية مباشرة، مما أدى إلى منع عرضه مع توقف كل الأنشطة الفنية في البلاد عقب الثورة، لكنه عُرض فيما بعد عام 1980.

أثناء مظاهرات النساء بطهران في مارس 1979، احتجاجًا على فرض الحجاب الإجباري عقب الثورة الإيرانية، كانت شهرزاد تصور المظاهرات بكاميرا 8 ميلي، فاعتقلتها “اللجان الثورية” واقتادتها إلى سجن “إيفين”، حيث تقول: “لم يدخروا وسعًا في إذلالي وإهانتي. كانت خلفيتي الفنية كراقصة واتهامي بأداء دور امرأة سيئة السمعة في الأفلام أمرًا كافيًا كي لا يُقصروا في فعل كل شيء”.

في بدايات الجمهورية الإسلامية، أصبحت شهرزاد عضوة في “اتحاد الكتاب الإيرانيين”، إلا أنها حسب قولها، كانت تتوجس الخوف والقلق الدائمين من تلك السنوات، إلى أن فقدت كل ما تملك عام 1985، وسافرت إلى ألمانيا، ثم عادت إلى إيران بعد 7 سنوات، وكانت بلا مأوى فعليًا، حيث تقول: “عُدتُ وعشتُ، لكن لم يكن لديَّ مكان، وكنتُ أفكر أين سأنام الليلة”. خلال تلك السنوات، عاشت شهرزاد في قرى نائية بطبس وكرمان.

في العام الماضي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصوَّر كان قد نُشر على تطبيق “إنستجرام”، تظهر فيه شهرزاد بوجه عجوز ومنهك ومتعب جدًا، تحدثت فيه عن حياتها الصعبة للغاية.

عن مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية، صُنع عدد من الأفلام الوثائقية، كان من بينها فيلم “شهرزاد” للمخرج “مهران زينت بخش” عام 2013، و”حكاية شهرزاد” للمخرج “شاهين برهامي” عام 2015.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.