يستحضر مهرجان ميزوبوتاميا الدولي للشعر هذا العام في دورته الثامنة إرث الشاعر الفارسي-الهندي بيدل الدهلوي (1642-1720)، أحد أبرز رموز الشعر الصوفي والفلسفي في الشرق، ليكون تكريمه رسالة ثقافية تؤكد عمق التبادل الإنساني بين الحضارات.
المهرجان الذي سيقام يومي 6 و7 سبتمبر الجاري في مدينة لاهاي في هولندا سوف يجمع أصوات شعرية من الشرق والغرب تحت شعار مواجهة العنصرية والتمييز عبر الكلمة، والذي سيشارك فيه نخبة من الشعراء العالميين من أمريكا اللاتينية وإسبانيا ودول عربية، وبالخصوص اسماء بارزة من الشعراء العراقيين.
الشعر بوصفه أداة لمواجهة العنصرية والظلم والفساد، حيث تتعالى الأصوات الشعرية هنا في هذا المهرجان باعتبارها حركة ثقافية عابرة للحدود، في تظاهرة ثقافية هدفها التلاقح بين الشرق والغرب، وإذ جاء أختيار المهرجان لشخصية الشاعر بيدل دهلوي ايماناً من القائمين على تنظيمه بأهمية هذا الاسم الذي كان جسرا بين الشرق والغرب، إذ يُلقي الباحث الأفغاني الدكتور حميد هامي محاضرة بعنوان “بيدل الدهلوي، والسلام العالمي، ومبدأ عدم التمييز”، وللدكتور حامي عدة إصدارات نقدية عن الدهلوي، منها : “ألحان بيدل : مكانة غزليات بيدل الدهلوي في الأغنية التراثية الأفغانية.” فتكمن هنا ضرورة التعريف بهذه القامة الشعرية الفلسفية.

أبو المعاني ميرزا عبد القادر بن عبد الخالق المشهور بلقب “بيدل” أو “بيدل دهلوي” من أعظم شعراء الأدب الفارسي في شبه القارة الهندية، واغزرهم نتاجا، صوفي من سلطنة المغول في الهند، ولد في باتنا وتوفي في دلهي، عن عمر ناهز 76 عاماً، وترك آثارًا شعرية باللغة الفارسية، وهو أحد اقطاب المدرسة (أو الأسلوب) الهندي في الشعر الفارسي الكلاسيكي.
ولد بيدل لعائلة من قبيلة أرلاس في بلاد ما وراء النهر (بخارى) وكانت لغته الأم هي البغالية، لكنه أجاد اللغة الأردية بعد انتقاله للهند، اضافة الى العربية والتركية والسنسكريتية والفارسية، وهي اللغات التي تعلمها منذ طفولته، ومع ذلك فإنه كتب معظم شعره باللغة الفارسية.
ترك بيدل نحو 16 ديوانا من الشعر وتحصى ابياته الشعرية بما يفوق الألف وأربعمئة بيت، في الرباعيات والمثنويات والمقطوعات الشعرية التي تضمنت اسلوبا فريدا في الادب الفارسي صار يطلق عليه باسلوب المدرسة الهندية، الأصفهانية.
بسبب تنشئته في بيئة دينية مختلطة وفي أجواء الثقافات الإسلامية والشرقية، كان لدى بيدل منهج فكري مميز يتسم بالتسامح والحرية، مناهضاً للمعتقدات السائدة في عصره، ومبتعدا عن الروح الدينية المتعصبة، منحازا للعامة، وخاليا من التملق ومدح الأمراء والتودد للسلاطين، ومحاربا للتمييز العنصري.
أتسم منجزه الشعري بتوظيف تراكيب واستعارات لم يألفها الشعر الفارسي من قبل، وكان له اسهام كبير في تحرير الغزل الفارسي من سطوة المعشوق وهيمنته على أجزاء القصيدة وهو تقليد كان شائعا في غزليات شعراء المدرسة العراقية، فمع دهلوي صار الغزل الفارسي منفتحا على المضامين العرفانية والفلسفية،
كما ظهر في شعر بيدل دهلوي جانب من الغموض والتعقيد، بسبب ما حوته اشعاره من معاني ضمنية أكثر فصاحة وحذلقة من معاصرية، ولكن ليس في إيران وحدها بل في أفغانستان وطاجيكستان وباكستان والهند، ودول شرق أوسطية ودول أوروبية أخرى أخذ شعر بيدل دلهوي يجوب اصقاع العالم وتكتب عنه الدراسات والبحوث النقدية، وتقام على ذكره الندوات والمهرجانات في مختلف دول العالم، كما يترجم شعره للغات الحية، وتتغنى بيه الموسيقى الكلاسيكية الشرقية.
