يقدّم كتاب (أرقص مع الزوبعة – كاريكاتورات شذرية) مدخلاً عربياً فريداً إلى عالم الكاتب والفنان الإيراني برويز شابور، أحد أبرز رواد النثر الساخر الوجيز في الأدب الفارسي الحديث.
صدرت الترجمة العربية عن منشورات «كريسطال» بالمغرب سنة 2023 بجهد المترجم محمد الأمين الكرخي، الذي نجح في نقل روح هذه التجربة المدهشة إلى القارئ العربي مع مقدّمة وافية تضيء مسيرة شابور وتجربته الإبداعية.
يُلقّب شابور بـ (أب النثر الساخر الوجيز) وقد ابتكر ما عُرف في الصحافة الإيرانية باسم «الكاريكلماتور»، وهو جنس أدبي يزاوج بين العبارة المكثّفة والكاريكاتور المرسوم، بحيث يصبح النص القصير لوحة لفظية تكملها رسمة مقتضبة، فيلتقي فن الكلمة وفن الصورة في لحظة واحدة من الدهشة. هذه الصيغة المبتكرة، التي تأثرت بالتراث الشعري الفارسي الكلاسيكي وبتيارات الحداثة في آن، فتحت أفقاً جديداً للنثر، فصار شابور أحد أهم الأصوات التي رسّخت حضوره في الصحافة الثقافية منذ ستينيات القرن العشرين، وأصدر عبر مسيرته عدة مجموعات تجمع النصوص الشذرية والرسومات التي رسمها بنفسه.
النصوص التي يضمها الكتاب أقرب إلى ومضات شعرية فلسفية منها إلى مجرد تعليقات ساخرة. كل جملة تبدو كشرارة تومض فجأة: قصيرة، لكنها محمّلة بالمعنى والرمز. في جملة واحدة قد يتجاور التأمل في الموت مع مفارقة ساخرة أو حكمة سوداء، بما يقارب روح الهايكو الياباني أو الشذرات الموجزة، مع نكهة فارسية أصيلة. ويزيد من أثر هذه الشذرات حضور رسومات شابور التي تقوم على خط بسيط يوحي أكثر مما يصف، فيغدو النص والصورة توأمين يكمل أحدهما الآخر في لعبة إيحاءات مفتوحة.
تتوزع الثيمات التي تطرقها نصوص شابور على محاور متعددة، أبرزها الموت والزمن بوصفهما قوة غامضة تحاصر الإنسان، والحب والفقد، وخصوصاً أثر علاقته بالشاعرة فروغ فرخزاد التي شكّلت ملامح نبرة حزينة ساخرة في كتاباته، إلى جانب النقد الاجتماعي اللاذع الذي يتخفى خلف بساطة العبارة، والتأمل الفلسفي الوجودي الذي يتجلّى في أسئلة عن معنى الحياة والوعي الإنساني.
تكمن أهمية الترجمة العربية في أنها تعرّف القارئ إلى لون من الإبداع الفارسي المعاصر ظلّ بعيداً عن المشهد العربي، إذ ينقل الكرخي هذه الومضات الكاريكاتورية المقتضبة إلى العربية بقدرة لافتة على الحفاظ على خفتها ودهشتها، رغم صعوبة ترجمة هذا النثر الشديد التكثيف واللعب اللفظي. بهذا الكتاب يؤكد برويز شابور أنّ الأدب ليس مجرد حكاية أو قصيدة طويلة، بل يمكن لجملة واحدة أو خط كاريكاتوري واحد أن يختصر عوالم كاملة من المعنى والخيال. الكتاب الشعري أرقص مع الزوبعة تجربة جمالية وفكرية تتقاطع فيها السخرية والوجع، الحكمة والدهشة، لتمنح القارئ العربي فرصة فريدة لاكتشاف فن يجمع بين عمق الفكرة وبساطة التعبير، ويعيد تعريف حدود الكتابة القصيرة في الأدب الفارسي القريب والبعيد منا.
• من الشذرات :
– أقفُ، كي لا أنقرض، أمام المرآة.
– نالت مذاق الحبس، دودة القز.
– أهديته، لأنتقم منه، دماغي.
– لتمييز دموعي عن قطرات المطر، أتجنبُ البكاء في الأيام الماطرة.
