معرض فرانكفورت للكتاب لعام 2025 ظاهرة الكتابة الايروتيكية

كتبه : علي بدر _ كاتب وروائي عراقي

ظاهرة لافتة في معرض فرانكفورت هذا العام كانت مشاركة بعض كتاب “البيست سيلر” بأجنحة شخصية تحمل أسماءهم، لا أسماء دور النشر. لكن أكثرهم إثارة للجدل كانت الكاتبة المكسيكية مونيكا سوتو إيكازا — ظاهرة أدبية وجسدية في آن واحد. لم تكتف مونيكا بعرض كتبها الإيروتيكية، بل جعلت من نفسها جزءا من العرض. وقفت وسط جناحها مرتدية ثيابا جريئة، جسدها امتداد لغلاف رواياتها، وصورتها انعكاس مباشر لعوالمها الكتابية. بين أكوام الكتب الملوّنة التي تتحدث عن الرغبة، الخيانة، والخيال الجسدي، كانت مونيكا تتحرك بثقة ممثلةً أدبها بنفسها.

هكذا عرفت نفسها لي: ” انا مونيكا سوتو ايكازا رائدة أعمال في مجال الكتب. مستكشفة في مجال الإثارة الجنسية. ملكة في مجالي الأدبي. مؤلفة كتاب “كعب في الخزانة” الأكثر مبيعًا. أعشق الكتب والجنس، ولذلك أنا أكتب الأدب الإيروتيكي وأدافع عن الحرية الجنسية لجميع الأفراد. وأنا خبيرة نظرية وعملية في الخيانة الزوجية، والحب الحر، والإثارة الجنسية. كما أنا كاتبة عمود في مجلات “فيرتيغو بوليتيكو” و”كويستيوني.كوم” و”بلاي بوي المكسيك”. نشرت خمسة عشر كتابًا في الشعر والقصص القصيرة والروايات والمقالات”

حيث تتجاور الثقافة مع التسويق، والفكرة مع الصورة، ظهرت مونيكا سوتو إيكازا مثل حدث أدبي بصريّ لا يُشبه أحداً. لم تأتِ بوصفها كاتبة فحسب، بل جاءت كمنصّة قائمة بذاتها، كمشهد فنيّ يجمع بين الأدب والجسد، بين النصّ والعارضة، بين الكتابة والوجود. وعلى الطاولة تتكدس نسخ من كتبها التي جعلت منها واحدة من أكثر الكاتبات إثارة للجدل في أميركا اللاتينية.

حين سألتها إن كانت تملك ثروة تكفي لتأجير جناح خاص بها في واحد من أكبر المعارض الأدبية في العالم، أجابت مبتسمة: “أنا بيست سيلر”. كان جوابها يحمل مزيجا من التحدي والاعتراف لقد حولت جسدها إلى ماركة أدبية، إلى امتداد تسويقي لكتاباتها، إلى استعارة ملموسة لرغباتها اللغوية.

كتبت ايكازا رواية ” الكعب العالي في الخزانة” و”قصص عن الجنس وغيره من الفجور النصي”، “المرأة المتعددة العلاقات” و”لم اكن انوي ابدا ان أكون بلا عيب، قصائد من الادب الايروتيكي” و” مس مهبلي: قصص جنسية مثيرة غير قابلة للإصلاح” و”اعترافات امرأة شهوانية غير تائبة” و” حي مثير لا يقاوم” وهكذا.

في نصوصها، لا نقرأ عن شخصيات بقدر ما نقرأ عن حالات وجودية: نساء يكتبن بأجسادهن، رجال يبحثون عن الخلاص في اللذة، وحدود تتلاشى بين الحب والألم. كل جملة في كتبها تبدو كأنها تخرج من جلدٍ مفتوح، وكل مشهد يترك في القارئ أثر لمسٍ غير مكتمل. هي تنتمي إلى تقليد أدبي يربط بين الإيروتيكا والفكر، بين الجسد كفكرة والكتابة كطقس.

وجودها في المعرض كان حدثا تسويقيا لا كما تدعي “بيانًا وجوديًا.” هي تقول: “الكاتب اليوم لم يعد كائنًا من حبر، بل من لحمٍ ولغة.” بين الزوار الذين التقطوا صوراً معها والقراء الذين طلبوا توقيعها على الكتب، كانت مونيكا تجسد التحول العميق في معنى الأدب نفسه: لم يعد الكتاب مجرد نص يقرأ، بل تجربة تعاش.

هكذا بدت في فرانكفورت امرأة تبيع كتبها بقدر ما تبيع أسطورتها، تجمع في نظرتها بين الغواية والمعرفة، وتعيد تعريف ما تعنيه كلمة كاتبة في عصر صار فيه الجسد بديلا عن الكتابة.

ما الذي يتبقى من الأدب حين يتحول الكاتب إلى علامة تجارية؟ سؤال يتركه حضور مونيكا سوتو إيكازا معلقا في هواء المعرض مثل عطر ثقيل. فبينما يرى البعض في تجربتها تحررا من النمطية الذكورية التي طالما جعلت جسد المرأة موضوعا لا ذاتا، يرى آخرون أنها تسقط في فخ السوق الذي يبتلع حتى التمرد نفسه.

إنها كاتبة موهوبة، لا شك، لكن موهبتها محاطة بوميض الإغواء، بذلك البريق الذي يجعل الأدب يُقاس بعدد المتابعين لا بعدد الأفكار. في نهاية المطاف، تبدو مونيكا كاستعارة لعصرٍ كامل عصر يريد أن يقرأ بعيونه لا بعقله، وأن يحول الكاتب إلى صورة، والصورة إلى سلعة، والسلعة إلى وهم جميل.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.