العراق : سباق برلماني أم إعادة إنتاج نظام المحاصصة الطائفي؟

خاص | مدار 24

في ظل الصمت الانتخابي الذي يسبق الاقتراع المقرر في 11 نوفمبر، تتجه الأنظار نحو بغداد حيث لا تمثل الانتخابات البرلمانية عملية ديمقراطية بقدر ما هي منعطف حاسم لتجديد الهيمنة وتوزيع المناصب بين النخب الحاكمة.

 

في الوقت الذي أدلت فيه المؤسسة العسكرية بأصواتها في التصويت الخاص، تتواصل المناكفات السياسية المحتدمة بين الأطراف المتنفذة في البلاد، في مناخ يفتقر إلى التمثيل الديمقراطي الحقيقي ويشوبه الاستقطاب الطائفي والولاءات الحزبية. وتأتي هذه الانتخابات لتحدد أعضاء مجلس النواب الـ 329، المسؤولين عن منح الثقة للحكومة وإقرار القوانين والموازنات، في عملية باتت تُعرف بأنها أغلى عرس انتخابي، حيث تهدر فيها ميزانيات ضخمة على الدعاية في بلد يعاني من تفشي الفقر والفساد.

¶ غياب الصدر يُعمّق الشرخ ويُعزز الهيمنة

 

لقد أحدث غياب التيار الصدري عن المشهد بقرار من زعيمه مقتدى الصدر وتوجيهه أنصاره بـمقاطعة الانتخابات، شرخاً عميقاً داخل البيت الشيعي. ورغم أن هذا العزوف قد أثار قلق بعض الجهات المعنية بتوازنات القوى، إلا أنه في جوهره يُفسح المجال أمام الأحزاب الأخرى المتنافسة على النفوذ لتعزيز سيطرتها، مما قد يُبقي السلطة في أيدي ذات القوى الأيديولوجية والمسلحة.

 

هذه الديناميكية تجري على خلفية ضعف مزمن للحراك المدني وقاعدته الشعبية الهشة. فبالرغم من التنوع الكبير الذي يزخر به المشهد السياسي، حيث يشارك حوالي 331 حزباً ونحو 70 تحالفاً انتخابياً، إلا أن هذه القوى المدنية والمستقلة تجد نفسها على هامش المفاوضات والتحالفات السياسية، عاجزة عن المنافسة أمام الكتل الكبرى المدعومة مالياً وعسكرياً.

 

¶ المحاصصة : آلية للتجديد لا للإصلاح

 

لقد أصبح واضحاً لجزء كبير من الشعب العراقي أن العملية السياسية برمتها هي مجرد غطاء لنظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، وهو نظام عرفي ترسخ منذ عام 2003. هذا النظام يضمن تقاسم المناصب والموارد بين الكتل الكبيرة بغض النظر عن الكفاءة أو الأداء الحكومي.

 

في هذا السياق، لم تعد الانتخابات سوى آلية شكلية ومجازية مهمتها تجديد شرعية هذه المعادلة غير الديمقراطية. المنافسة الحقيقية لا تدور بين برامج سياسية، بل بين قوى متنفذة تملك نفوذاً مالياً واسعاً وأجنحة عسكرية (ميليشيا) فاعلة على الأرض. إن وجود هذه القوة العسكرية الموازية يضعف بشكل جذري فرص المستقلين والأحزاب المدنية في إحداث أي تغيير ملموس.

 

¶ خيبة الأمل تسيطر : الوعود الكاذبة مقابل الخدمات المنهارة

 

يسود شعور عميق بـخيبة الأمل بين جموع الناخبين. فاستمرار الفساد المستشري وتدهور الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات البطالة يجعلهم ينظرون إلى الحكومات المتعاقبة على أنها فشلت جذرياً في تلبية أبسط متطلبات الحياة.

 

بالنسبة للمواطن العادي، لم تعد الانتخابات تجلب سوى إعادة إنتاج الوجوه والأزمات القديمة. ورغم تبني التكنولوجيا الحديثة في الاقتراع والفرز، تبقى العملية مجرد منعطف شكلي يضمن للقوى المهيمنة الاستحواذ على السلطة مجدداً، تاركاً المواطن في مواجهة الوعود الكاذبة والتحديات المعيشية اليومية.

مقالات قد تعجبك
2 Comments
  1. عائشة صالح علق

    المقال يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه العملية الانتخابية في العراق. من المهم أن يتم تعزيز التمثيل الديمقراطي الحقيقي لتجاوز المحاصصة الطائفية.

اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.