تعد مدينة المحمودية البوابة الجنوبية للعاصمة بغداد، إذ تقع جنوب غرب مركز مدينة بغداد، وتبعد عنها نحو 29 كم. والمحمودية إدارياً قضاء تابع لمحافظة بغداد، وتتبعها إداريا عدة نواحي هي: ناحية اليوسفية، واللطيفية، وناحية الرشيد، وتمثل المدينة عقدة تربط محافظات غرب العراق وجنوبه ووسطه، إذ يحدها من الجنوب والجنوب الغربي قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل، أما من الشرق فيحدها قضاء الصويرة التابع لمحافظة واسط، ومن الغرب يحدها نهر الفرات، وقضاء الفلوجة التابع لمحافظة الأنبار، ومن الشمال كل من قضاء الكرخ وقضاء أبو غريب التابعين لمحافظة بغداد، كما أن موقع المدينة يمثل السهل الممتد في المساحة التي تشغل أقصر مسافة بين نهري دجلة والفرات، لذلك تمثل أرياف المدينة سهلا رسوبيا خصبا لنهري العراق. ويبلغ التعداد السكاني لها نحو 450 ألف نسمة مع نواحيها حسب إحصائية 2018.
وتضم المحمودية، عدة أحياء عصرية هي: حي الربيعي، والحي العسكري، وحي الموظفين، والثورة، والجزائر، والسراي، والجديدة، والمرتضى بالإضافة إلى الحيين الواسعين اللذين يضمان سكان شقق وزارة الصناعة والتصنيع العسكري، وأحياء أخرى أنشأت حديثاً.
أنشأت مدينة المحمودية نهاية القرن التاسع عشر كمحطة استراحة للمسافرين القادمين من وسط وشمال العراق والمارين بالعاصمة بغداد والمتجهين نحو مدن الجنوب والفرات الأوسط، وبشكل خاص زوار المراقد الشيعية المقدسة في مدن كربلاء والنجف. فكانت تمثل مرحلة وسيطة بين مدينة بغداد ومدينة بابل، وقد مثلت خانات المحمودية، وهي محطات استراحة القوافل، النواة الأولى لبناء المدينة، لذلك تعد المحمودية مدينة طريق بامتياز. وبعد أن استقر فيها العديد من القبائل المترحلة التي كانت تتحرك في المنطقة الصحراوية المحيطة بالعاصمة بغداد نهاية القرن التاسع عشر انتعشت المحمودية وأصبحت مدينة زراعية يخدم ريفها المسافرون النازلون في خاناتها، ثم توسعت حضريا منذ منتصف القرن العشرين لتصبح حاضرة يتنوع اقتصادها بين خدمات النقل والزراعة والصناعة.
النشاط الزراعي في المدينة يمثل أحد أركان اقتصادها، إذ ساعدت وفرة المياه فيها بسبب وجود نهري دجلة والفرات والأنهر المتفرعة منهما من جهة، وجودة التربة في السهل الرسوبي على نجاح الزراعة في أرياف المدينة المحيطة بها. كما اعتمدت على أنظمة الزراعة الحديثة من حيث استخدام البذور المهجنة، وأساليب الري الحديثة، والزراعة المحمية، وعمليات تطعيم النباتات، وكل ذلك ساعد على زيادة الإنتاج الزراعي، ومن أهم منتجات مزارع المحمودية والنواحي التابعة لها البطاطا والكوسا، والرقي، والخيار وغيرها من الخضراوات التي تجهز بها أكبر أسواق الجملة لبيع الخضار في العاصمة وهو سوق (علوة الرشيد) في ناحية الرشيد التابعة لقضاء المحمودية والذي يخدم العاصمة بغداد وباقي المدن العراقية.
أما الازدهار الصناعي في المدينة فقد ارتبط أولا بإنشاء معامل التصنيع الحربي لصناعة الأسلحة مثل منشأة القعقاع لصناعة الأسلحة التي أنشأت في سبعينات القرن العشرين، ومنشأة الصناعات المعدنية والميكانيكية في ناحية الاسكندرية التابعة للمدينة. والتطور الصناعي الأبرز في المدينة فتمثل بإنشاء المجمع الصناعي الأكبر في العاصمة بغداد، وهو مجمع عويرج الصناعي في ناحية الرشيد، التابع لقضاء المحمودية، والذي يضم مئات المصانع المتنوعة التي تشمل الصناعات الكيميائية، وصناعة الأخشاب والأثاث، والغزل والنسيج، والعديد من الصناعات التكميلية، ويمثل سكان قضاء المحمودية المصدر الأساسي للقوى العاملة في هذا المجمع.
ونتيجة وقوع المدينة على الطريق السريع الرابط بين بغداد ومدن وسط وجنوب العراق، فقد ازدهرت خدمات الصيانة والتجارة التي تتواجد على هذه الطرق، وقد مثلت مدينة المحمودية والنواحي التابعة لها سوقا رائجا لخدمات النقل في وسط العراق.
الاسم والتاريخ
تشير التلول الأثرية الموجودة في المدينة إلى تاريخها الموغل في القدم، حيث بنيت في هذا المكان العديد من المدن المهمة في التاريخ الرافديني. ويذكر الكاتب حميد المطبعي مدينة المحمودية في مقال له في جريدة «الثورة» البغدادية تحدث فيه عن مدن التاريخ إذ يقول: «وليس بمستغرب أن ترى تلول الآثار منبثة على خريطة أراضي المحمودية، وكل تل يشير إلى أن دورا حضاريا ما أدى دورا إنسانيا وذهب، وأن سلالة ما من سلالات العراق حفرت أنهرا وأقامت لها صرحا من نظام الري والزراعة ثم توقف فيها النفس وذهبت، وهكذا فإنّ كلا من تلك الحضارات كان يؤدي دورا حسب إتقانه الحضارة ولظروف الحياة، لأن أدوارهم كانت حضارية فلابد من أن تبقى أسماؤهم وآثارهم شاخصة حتى هذه الساعة في تلول من التراب وفي مقابر وفي قصور أحالتها عوامل الطبيعة إلى خرائب». كما يشير كتاب مديرية الآثار العراقية «مواقع الآثار في العراق» ص 69 وما بعدها، إلى أهم التلول الأثرية في المحمودية ومنها؛
آثار مدينة سيبار وهي مدينة من العصر السومري في تل أبو حبة.
مدينة ديرية وأم محار وهي من العصر الأكدي.
موقع صرير ويقع في قرية صرير ويرجع تأريخهُ إلى عصر العبيد (من العصر المعدني 4500-3800 ق.م) وتعاقب عليه العصر الكلداني (البابلي الحديث) والعصر الفرثي (148 ق.م).
موقع محسن وهو مجموعة تلول في أراضي اللطيفية، ترجع بتاريخها إلى العصر المعدني وتعاقب عليها عصر سومر وأكد 2400-2000 ق.م، والعصر البابلي القديم أيسن، ولارسا (2000- 1600ق.م).
موقع وطيوط وهو مجموعة تلول قد مرت عليها عدة عصور ابتداءً من عصر سومر وأكد وحتى العصر الإسلامي(636 م).
موقع أبو رميل وهو تل يرجع تاريخه إلى العصر الإسلامي الأول.
موقع الشيشبار وهو تل يرجع تأريخه إلى العصر الفرثي.
موقع الصيكل يرجع تاريخه إلى العصر الإسلامي.
موقع الرجيمات أبو رجيم ويقع في أراضي الدرويشية وقد تعاقبت عليه أدوار سلالة بابل الأولى.
موقع عويرج وهو مجموعة تلول تعاقب عليها العصر البابلي الحديث (625-539 ق.م) والعصر السلوقي وهو من العصور التاريخية القديمة ( 148 ق.م-126 ق.م).
وأشهر تلال المدينة الإثرية وأهمها هو تل المدينة السومرية سيبار، الواقع في ناحية اليوسفية التابعة لمدينة المحمودية، في منطقة تسمى تل أبو حبة. وكانت مدينة سيبار تقع قبل تغيير نهر الفرات لمجراه على ضفته الشرقية. وقد أشارت المكتشفات الآثارية إلى أن موقع سيبار كان مسكونًا في وقت مبكر من فترة أوروك، إلا أن الاستعمار السكاني الكبير حدث في فترة الأسر المبكرة من الألفية الثالثة قبل الميلاد، والفترة البابلية القديمة في الألفية الثانية قبل الميلاد، والعصر البابلي الجديد من الألفية الأولى قبل الميلاد. واستمرت المدينة في الوجود وإن بمستويات الاستخدام الأقل في عصر الإمبراطوريات الأخمينية والسلوقية والبارثية.
في علم1881 ابتدأت عمليات التنقيب في تل أبو حبة لصالح المتحف البريطاني، وقام بعمليات التنقيب والتحري الآثاري العراقي الموصلي هرمز رسام، ثم تبعه الأب جان فينسينت شيل لفترة وجيزة في عمليات التنقيب في أطلال سيبار في عام 1894. وخلال التنقيب تم العثور على اللقى والمكتشفات الآثارية وعلى ألواح طينية مهمة بلغت نحو 130 ألف لوح، وتفيد بعض كتابات هذه الألواح إن سيبار هي أحدى مدن عبادة الإله شمش «الشمس» ومعبد هذا الإله موجود في هذه المدينة باسم اي ـ بباو. وقد ورد في المدونات البابلية القديمة، أن بعض السلالات حكمت في هذه المدينة في عهد سومو ليم مؤسس سلالة بابل الأولى.
خلال حكم السلالات البابلية المبكرة كانت سيبار مركز إنتاج الصوف، ومن المحتمل أن تكون مسلة حمورابي قد نصبت فيها والتي تصور الإله شمش وهو يسلم لفائف الحكمة والسلطة للملك حمورابي في الصورة المنقوشة أعلى المسلة. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر قبل الميلاد كانت سيبار تنتج بعضًا من أفضل الأختام الأسطوانية البابلية القديمة. وقد إقترح بعض الآثاريين مدينة سيبار كموقع لسفارفايم الموقع التوراتي في العهد القديم. وورد أيضا اسم عدة ملوك لسيبار في التحريات الآثارية التي أجريت في تلول أخرى. وتبعد أطلال مدينة سيبار نحو 30 ميلا جنوبي غربي بغداد. وتستقر تلولها بين قرية الأنباريين من جهة وقرية البو حسون من جهة أخرى، حيث يفصل بين هذه التلول والعشيرتين ممر مائي ضيق يدعى شيشبار وتحيط بهذه التلول أشجار النخيل والفواكه.
وعلى بعد ستة كيلومترات عن مدينة سيبار يقع تل الدير في منطقة تسمى ديرية وأم محار. ويشير حميد المطبعي في مقاله إلى إن: «الكثير من الألغاز طرحها الآثاريون حول محتويات باطن هذا التل، إذ اعتقد عدد من علماء الآثار أن بقايا مدينة أكد موجودة في باطن هذا التل. وقد أجرى الآثاريون العراقيون تحرياتهم في هذا التل سنة 1940 كما أجرت البعثة الآثارية البلجيكية تحرياتها في التل نفسه سنة 1970، لكنهم جميعا لم يقدموا دليلا علميا ثابتا على وجود مدينة أكد». ويذهب بعض علماء الآثار إلى أن مدينة أكد هي مدينة بابل، لكنهم أيضا لم يقدموا إثابتا آثاريا منطقيا على ذلك، ومنطقة تل الدير هي الآن تابعة إلى ناحية اليوسفية ويسورها نهر اروائي جميل يسقي حقول عشيرة البو عامر والبو محيي وتكثر على ضفافه أشجار التفاح والرمان. ومع أن مديرية الآثار قد حفرت في بعض جوانب هذا التل إلا إنها لم تدق حفرياتها عميقا، ولو اجتهدت في الضرب عميقا لانفجر باطن التلول المجاورة لهذا التل وأعطت تاريخها بسهولة، إذ ان كل الأدلة تشير إلى أن أطياف سرجون الأكدي ما زالت تدور في هذه الأرض المباركة.
مدن الطريق
لم نعثر على أثر لمدينة المحمودية في الكتابات التاريخية قبل القرن التاسع عشر، وهذا الأمر يدل على إن المدينة الحالية قد أنشأت في وقت متأخر يقرب من نهاية القرن التاسع عشر. إذ يذكر خانات المدينة الرحالة البريطاني جيمس بكنغهام في رحلته عام 1816من بغداد إلى منطقة آثار بابل واصفا خانات المدينة بقوله: «غادرنا باب السور الغربي لبغداد فشاهدنا أمامنا منظر الصحراء القاحلة. كان قبر زبيدة يقع على يميننا وهو الأثر الوحيد الذي تراه العين. واتجه سيرنا خلال نصف الساعة الأولى من بوابة بغداد نحو الجنوب الغربي تقريبا حيث بلغنا عند المغيب منحنى نهر دجلة وهو يتدفق سريعا عبر الضفاف الجرداء وقد بانت في وسطه عدة بقع من الرمال الجافة. ومن هناك اتجه طريقنا نحو الجنوب وبعد ان قطعنا أرضا قاحلة صلبة مررنا في حوالي الساعة الثامنة بخان يدعى خان الكهية الذي لم ندخله. وفي ذات الطريق نحو الجنوب والجنوب الغربي وفي ذات الأرض الجرداء وصلنا في العاشرة خان أسد الذي تحيط به قرية صغيرة يسكنها العرب. وإذ وجدنا عددا من الناس يتحركون هنا رغبنا في أن نتوقف برهة قصيرة، وما أن دخلنا الخان حتى وجدناه غاصا بالحيوانات وأصحابها بحيث لم نستطع أن نشق طريقنا فيه إلا بصعوبة على الرغم من سمته وحسن بنائه وكفايته لاستيعاب ما لا يقل عن خمسمئة شخص داخل جدرانه. استرحنا في الساحة وأديرت علينا كؤوس القهوة الفاخرة التي لا أتذكر انني شربت مثلها في أي مكان أثناء الطريق. وقد سمعنا أن هذا الخان قد اشتهر بالقهوة الفاخرة التي تعد فيه، وإن ما جربناه هنا به يؤكد جدارته بمثل هذه الشهرة التي يتمتع بها تماما. ولقد تأثرت كثيرا بالأدب الجم الذي كان يتحلى به نزلاء الخان وسرورهم بكل ما يتعلق بنا».
بينما يذكر مدينة المحمودية الموسوعي الأب انستاس ماري الكرملي في وصف رحلته إلى كربلاء التي قام بها في ربيع عام 1912، ونشرها في مجلته «لغة العرب» الجزء 1 ص 107، إذ يقول: «ونحو الساعة الثانية صباحاً وصلنا إلى المحمودية فنزلنا لنستريح فيها. وهي قرية فيها منتديات لشرب القهوة وسوق وخان وعدة دور. ويجد فيها المسافر كل ما يحتاج إليه من طعام ومأوى. والظاهر أن هذه القرية حديثة البناء في هذه البقعة من الأرض لأني لم أر لها ذكرًا في كتب التاريخ والبلدان التي بحثت عن هذه الأرجاء. قمنا من المحمودية نحو الساعة الثالثة ألا ثلثاً فمررنا بعد قليل على خان زاد كذا يلفظ العوام هذا الاسم. والأصح خان آزاد وهو خان قديم يرتقي بناؤه إلى عدة قرون فلما تهدم في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة (أوائل القرن السابع للميلاد) أصبح مخبأ للصوص وقطاع الطرق فأعاد بناءه عمر باشا سنة 1089هـ (1678م) وأقام فيه حامية تحمي الحجاج والزوار والمسافرين من أهل العيث والفساد. بيد انه لم يمض نصف قرن على تجديده إلا وعاد اللصوص العماريط إلى هدمه وسكنه».
ومثل كل المدن الواقعة على الطرق التاريخية، نشأت المحمودية مرتبطة بنشأة الخان الذي عرف باسم المدينة، أو أن المدينة عرفت باسم والد مؤسسس هذا الخان. ويذكر المطبعي أن فكرة نشوء خانات أو محطات استراحة على الطرق العامة، هي فكرة عراقية قديمة. فقد كان البابليون ينشأون قرى على الطرق التي تؤدي إلى مدن العراق القديم، وهي في جوهرها تؤدي وظيفة عسكرية لكنها كانت بمثابة محطات نقل أو تجارة أو استراحة للقوافل من وإلى بابل بشكل أساسي.
وكثيرة هي المدن التي أنشاها العرب في البوادي لتقوم بدور تجاري بين حواضر الأقطار العربية، وكان العثمانيون قد انتهجوا هذا النهج، لكن ليس عن طريق بناء مدن أو قرى، وانما أخذوا بفكرة بناء الخانات لضعف امكانياتهم الاقتصادية. وقد أصدروا الفرمانات للعرب ليقوموا بإنشاء هذه الخانات وإدارتها من قبلهم. وأول ظهور لهذه الخانات كان على طريق بغداد – الموصل، وعلى طريق بغداد – كركوك. وعينت السلطات العثمانية إلى جانب العرب بعض موظفيها من الأتراك لإدارة شؤون بريد السلطنة في هذه الخانات.
وأفاد بعض العرب من فكرة نشوء الخانات في الطرق الشمالية، وذلك بتأسيس خانات لهم على طرق وسط وجنوب العراق. فقدموا طلباتهم إلى السلطة العثمانية التي منحتهم فرمانا بتأسيس هذه الخانات ومنها خان المحمودية. لكن خانات الشمال، كانت ذات طراز معماري تركي، بينما بنيت الخانات بين بغداد والحلة على طراز عربي. لقد ترك العثمانيون هذه الخانات على حالها يديرها العرب ويقوم مؤسسو هذه الخانات بتعيين وكلاء لهم من رؤساء العشائر أو من ينوب عنهم في إدارة شؤون كل خان. ويدار الخان ماليا من الإعانات الخيرية ومن الأموال التي يوقفها عليها أصحابها الأصليين. ويذكر المطبعي إن أسرة آل كبة التجارية أقدمت على بناء العديد من هذه الخانات وأدامت شؤونها الاقتصادية، كبنائهم خان الناصرية بين المحمودية والمحاويل، وخان المسيب والخانات القائمة بين كربلاء والنجف كخان النخيلة وخان النص وغيرها.
إلا إن خان المحمودية كان قد بناه جعفر محمود الحسني في عام 1868 وأطلق عليه اسم أبيه محمود، وهو جد المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني الذي أشار إلى قيام جده ببناء خان المحمودية في كتابه «العراق قديما وحديثا» ص 122. ومنذ ذلك الحين كان الخان يستقبل القوافل القادمة من أنحاء العالم الإسلامي ولا سيما من إيران وأذربيجان وتركستان وأفغانستان ومدن آسيا الوسطى والمتجهة إلى المدن المقدسة في النجف وكربلاء. وورد في بعض الوثائق العثمانية إنه إضافة إلى اسم المحمودية هناك للخان أسماء أخرى هي خان السبيل، وخان الزوراء، وخان السادة، وخان الواقف، وتشير الوثائق العراقية في بداية الستينات إلى إن وقفية الخان تعود إلى وزارة المالية تحت تسلسل (1/45).
خان المحودية
تبلغ مساحة خان المحمودية زهاء 40 ألف متر مربع، وقد بني على ركائز مربعة الشكل ويحتوي على أواوين على الطراز العباسي وقد سقف بعضها، بينما بقي بعضها مفتوحا لتكون صالحة لايواء الزوار في الصيف والشتاء. ومن المجاز الأول تدخل إلى ساحة مكشوفة بنيت فيها منصتان مساحة كل منهما 200 متر مربع والظاهر أنهما أعدتا للصلاة وكان ارتفاع كل منصة حوالي متر ونصف. وفي كل إيوان من أواوين الخان توجد حظائر للخيل والبغال. كما يوجد في كل ركن من أركان الخان إیوان وإلى جانبه غرفة تتقدمها منصة صغيرة كانت قد خصصت لرئيس القافلة يصعد إليها عن طريق منصة مدرجة. وعدد أركانه بلغت 16 ركنا. وفي واجهة كل ركن ثبتت حلقة من الحديد في حمالة فانوس، ومثلها أيضا في كل إيوان ومثلها في كل ركن من أركان الخان الخارجية. نمط البناء كان على طريقة عقد القباب، سمك كل جدار حوالي ثلاثة أمتار وكان الطابوق مادة البناء الكلي وكان من النوع العريض المربع الذي يسميه البناؤون الفرشي ويبلغ ضلع الطابوقة الواحدة 36 إنجاً. وقد شيد الخان بالقرب من نهر المحمودية لتسهيل عملية البناء التي استغرقت ست سنوات. وقد فكر مصممه بايصال الماء إلى حمامات الخان حيث قام بحفر ترعة صغيرة تتصل مباشرة بصهاريج الحمامات التي هيئت لها مواقد الخشب خلف الخان لتقوم بغلي الماء وتسخينه في أيام الشتاء.
كانت عملية بناء الخان صعبة جدا، إذ لم تكن هناك مصادر لليد العاملة في المنطقة، ولا أفران لصناعة الطابوق. فماذا يفعل مؤسس الخان؟ يروي لنا حميد المطبعي حكاية بناء خان المحمودية فيذكر أن جعفر الحسني تجول برفقة المعمار الذي كلفه ببناء الخان في المنطقة الصحراوية المحيطة بالمحمودية، وعلى حدود اللطيفية تحدث مع سكان المنطقة، إذ كانت توجد فيها مجموعة من بيوت الشعر والطين، متجمعة في قرية تعرف يومئذ بقرية خان البيع وأهلها عرفوا بالبيراويين لأنهم اشتهروا بحفر الآبار في تلك المناطق، ولأنهم كانوا يسقون القوافل العابرة بالماء.
وافق رئيس البيراويين على أن تقوم عشيرته ببناء الخان. والبيراويون هم أساسا فخذ من قبيلة ربيعة، في البدء تدرب البيراويون على صناعة الطابوق في فرن متواضع أقاموه على مسافة قريبة من الخان، وشيئا فشيئا صعد البناء إلى أعاليه بأجر زهيد، وبعرق كثير، وبنوايا خالصة. وكان من الطبيعي أن يتطلب مثل هذا المرفق الحيوي وجود أفراد يسكنون بجواره لسد حاجة آلاف الزوار من الطعام والماء، وتقديم العلف إلى حيواناتهم. لذلك هجر البيراويون قريتهم الأولى وجاءوا لينشئوا الحوانيت والمخازن والبيوت الصغيرة أمام واجهة الخان. حتى توسعت حركة التجارة وانتظم سير القوافل وانتظمت الهجرة من الصحراء إلى هذه الأرض الجديدة التي نسميها اليوم أرض المحمودية.
وعندما وجدت الحكومة العثمانية إن البيراويين أسسوا أفضل مخفر لتأمين مرور القوافل على الطريق الحيوي بين بغداد ومدن الوسط والجنوب، بادرت ووزعت على قبيلة ربيعة جميع الأراضي المجاورة للمحمودية لقاء حماية هذا الطريق التجاري. حيث عجزت هذه الحكومة عن حمايته نتيجة كثرة قطاع الطرق والسلب والنهب، ثم منحتهم حق التسيار، أي تأمين العمليات التجارية من بغداد إلى حدود مدينة المسيب. وعينت الحاج أمين الملا حسين، مديرا لبلدية المحمودية، كما عينت بقية رجاله في رئاسة حراسات المدينة ومختارين لها، ووهبتهم الأراضي الزراعية لتوفير الغلات للمنطقة.
وحين انفتحت الطرق وازدهرت الحركة، هجر الشيخ سهيل رئيس عشيرة بني تميم هو وجماعته قرية خان آزاد ناحية الرشيد وجاور المحمودية. وجاء بعده ثامر الشبلي رئيس عشيرة البو عامر، وجاء الدليم برئاسة عدوان الحمد وأقاربه، وارحيم الداود رئيس قبيلة الغرير، ثم جاء الجنابيون بأفخاذهم، ثم المعامرة والجبور والبو محيي والأنباريون وهم من السراي بطن من ربيعة والقراغول وأسر وبيوت وأفراد كثر. حتى صارت قرية الخان قضاء باسم المحمودية تابعا لبغداد طيلة الحكم العثماني.
عن القدس العربي