في عام 1991 أعلنت منظمة اليونسكو (عام يونس أمره الدولي) باعتباره الذكرى السنوية الـ 750 لميلاد يونس أمره. الشاعر الذي طبعت صورته على فئة المئتين ليرة التركية، لم تنساه تركيا حيث جسدت شخصيته في مسلسل تلفزيوني درامي بعنوان (رحلة حب) باللغة التركية ألفه محمد بوزداغ.
قاضي وشاعر ومتصوف تركي، أحد أهم شعراء الاتراك المؤثرين شعبيا، ومن اوائل الذين كتبوا اشعارهم باللغة التركية حصرا. ولد في عصر انهيار الدولة السلجوقية وعاش في مطلع العصر العثماني (القرن 14)، وانه كان معاصرا للشاعر الإيطالي دانتي أليغيري، ومات ودفن في قريته “صاريكوي” الواقعة بالقرب من منطقة صقاريا في الاناضول.
رغم أن شعر يونس امره قد امتزج بالتصوف، إلا أنه كان قريبا جدا باسلوبه من القصص الخيالية والاحاجي الشعبية، حتى طبع على اسلوبه الادب الشعبي المعروف في اسيا الوسطى.
كانت مهارة يونس امره الشعرية تكمن في تعابيره البسيطة التي حاك من خلالها المفاهيم الصوفية باسلوب رفيع. وقد ارتبط شعره بالادب التركي فهو لم يقلد سابقيه من الشعراء الذين تقيدوا بالطابع الفارسي او العربي، حيث ان في عصره قد شهد الادب التركي ولادته الحقيقية.
كان يونس امره والمعروف انه ولد في نفس العام الذي توفي فيه الشيخ محي الدين ابن عربي، درويشا لشيخ تركي يدعى “تابتوك امره” والذي عنه أخذ الفيض الإلهي، وهو متصوف بكتاشي من خراسان جاء إلى الأناضول في عهد جنكيز خان بمهمة التبليغ بالبكتاشية، وفيما يقال أن حاج بكتاش ولي قد اوصاه بتعليم يونس امره.
عاش معظم حياته مغتربا، رحالا بين بلاد الاناضول وبقاع الشرق الأقصى، واطلق عليه البعض لقب “يونس الغريب” وقد عاش لوعة غزو المغول لبلاده، مما جعله يحرض الناس من خلال بعض اشعاره على الاتحاد في مواجهة المغول، فجاوز أن يكون في شعره مرشد روحي وديني، يعكس القيم الإنسانية والاجتماعية بمهارة يتقبلها جيل عصره.
بعد ما يقارب سبعة قرون على وفاته، لا تزال نصوص يونس امره متداولة ومؤثرة في الادب التركي، وقد ترك كتاب “الديوان” الذي يضم حوالي أكثر من خمسمئة بيت شعري، ووفقا لرواية أن احد معاصريه وجد مخطوطا يحتوي على مجموعة كبيرة من قصائده رأى أنها مخالفة للشريعة فأحرق الكثير منها، وتشتهر عنه عبارة “تعال لنتعارف” فيما يشبه الثيمة والمفتاح للحديث عنه.
لقد تلقى يونس امره تعليما عاليا في الشريعة والقانون في مدرسة كاراتاي السلجوقية، مهده ليكون قاضيا، الا انه عزف عن ذلك وقرر ان يختار طريق التصوف، الى أن يقول معبرا : “لست مدعيا، لكنني جئت لأنشر الحب في القلوب، فمنزل الحبيب هو القلب، وديدني أن أعمر القلوب بالحب.”
قيل أيضا أنه التقى بمولا المتصوفة جلال الدين البلخي، وتأثر فيه كثيرا، حتى عني في شعره بالعشق الالهي مستلهما بذلك أفكار ورؤى مولانا البلخي، فهو يقول في تعبير صريح وبسيط وعميق في نفس الوقت : “القلب عرش لله، لأن الله ينظر للقلوب” واذا قلنا أن البلخي كان يمثل لسان التصوف النخبوي، فإن يونس امراه كان يمثل اللسان الشعبوي، في نسخة أكثر تجسيدا للتصوف الإسلامي.
وإن يونس امره قد وصل الى نتيجة قطعية في التصوف، حيث أنكر وجود المتصوفة الواصلين، لانه جعل الوصول الى الله مستحيلا في كل شيء حيث يقول :
من سماء ان قرأت ما نزل واصلا أنكرت قطعا ما وصل
نختم بمقتطفات مت بعص ما يقوله يونس امره الذي صار اليوم مؤسسة أدبية ثقافية في الادب التركي :
عشقك أخذني مني وأنت تلازمني..
إنني أحترق في ليلي ونهاري إليك وأنت ملازمي..
***
إن عيني قل ترى كل المعاني في الزوال ما سراجا يشعلاني
يونس اعلم كل دنياك الاله أي خلد ونعيم قد تراه
***
اترك الدنيا الى العشق ادخلن رتبة فيه عليها عولن
حانة للروح كانت موئلا كن الى الصدق دوما مائلا
انت يا يونس من عشق ثملتا الى الحق ولكن قد وصلتا
***
قدم الكأس وها إني عزفت ما سواد ما بياض قد عرفت
أثملتني وبعشق طرحتني من سبات إنها قد أيقظتني