“وارث شاه”، ليس شاعرا هنديا عاش في القرن الثامن عشر وكفى، بل مناضل على طريقة كبار الشعراء والمتصوفة ورجال الأدب والعلم، في القرن الثامن عشر، أي مباشرة بعد عصر “أورانكزيب” أحد أعظم الأباطرة الهنود المعروف ببأسه وشدته وتزمته في محاربته للزوايا والطرق الصوفية وشعراء الغناء وكل إسلام غير سني، أمر ورثه عنه إبنه “بهادور شاه” الأول وكان بداية الإنحدار لأحد أعظم الإمبراطوريات الإسلامية والوقوع في أسر الإستعمار الإنجليزي.
واجه “وارث شاه” ظلم السلطة وتزمت المتزمتين ومعهم أعداء النجاح، الذين يوجدون في كل العصور وكلّ الأمكنة. سيرته الشعرية العطرة كانت مرجعا لعشرات الدراسات والكتابات والإقتباسات، خاصة مؤلفه الخالد “هير رانجها” الذي تم توظيفه في أفلام هندية عديدة، كما تم توظيف سيرة الشاعر نفسه في أفلام هندية وباكستانية، لعل أشهرها الفيلم الهندي البنجابي الذي يحمل عنوان “وارث شاه” للمخرج مانوج بونج (2006)، وبطولة النجمين “غورداس مان” و”جوهي شاولا”.
الشريط لا يختلف عن الأفلام البوليودية، من حيث البناء والاعتماد على خلفية درامية، حيث يقدم لنا قصة “وارث” وحبه لفتاة بالبلدة التي اختار العيش بها، بعيدا عن بلاط الإمبراطور المغولي “المتطرف” وعن قمعه، بعد إعدام شيخه بتهمة الهرطقة والدعوة لمعانقة الحب الإلاهي من خلال الشعر والغناء، حب الشاعر سيواجه عقبات عديدة بسبب عشق فتاة أخرى لشخصه وأشعاره، إضافة لمعاكسة شيخ البلدة المتزمت له ولعلاقاته مع الساكنة الموسومة بالحب والإعجاب والتأثير، وما تلا ذلك من سرقة نسخة الديوان الذي كان بصدد تأليفه، وبعد ذلك زواج محبوبته من شخص آخر. لكن من جهة أخرى الفيلم يتميز بديكوراته الساحرة التي تحيل على مرحلة متميزة من تاريخ الهند الإسلامي، والأزياء الموظفة التي تعكس أصالة الزي البنجابي وغناه بالألوان المبهجة، لكن الأهم من كل هذا، توظيف أشعار هذا الشاعر الغنائي بشكل مكثف يجعل المتفرج، طيلة الشريط، لا يلتفت للحكاية وتطوراتها الدرامية، بل ينتظر سماع المقاطع الموسيقية الغنائية الشجية الموظفة/ المقتطعة من تراث هندي إسلامي غني بالصور والدلالات وعمق الإحساس الإنساني النابع عن معاناة حقيقية لطاقة إبداعية وجدت طريقها مفروشا بالشوك والعذابات.
أعتقد أن تراث شبه الجزيرة الهندية المسلم يبقى بالنسبة لعالمنا العربي جد مجهول على الرغم من غناه والتقاطعات التي تجعله أقرب إلى الحساسية الإبداعية العربية والإسلامية، تراث يستمد قوته من غنى تاريخي واستفادة حقيقية من التراكمات العديدة لديانات وآداب وعادات وتقاليد هندوسية وبوذية وجاينية وسيخية وغيرها من الديانات، وبالتالي، مشاهدة هذا الفيلم مناسبة لدعوة عشاق الشعر والآداب أن ينفتحوا على كتابات شعرية لشعراء أغنوا الذائقة الشعرية الإسلامية، شعراء من أمثال: “كبير” صاحب ديوان “ناي اللامتناهي”، و”غالب ميرزا”، و”غلام علي آزاد”، و”محمد إقبال”، و”محمد علي جوهر”، و”مير تقي مير” …
أما بالنسبة لديوان “هير رانجها”،وهي حكاية كتبت على يد “وارث شاه” سنة 1766. يشير بعض المؤرخين أن القصة عمل أصلي لوارث شاه، كتبت بعد أن وقع في حب فتاة تدعى بهاج بهاري. بينما البعض الآخر، ذهبوا إلى أن “هير ورانجها”، شخصيات حقيقية عاشت في عهد سلالة لودي وأن “وارث شاه” قام لاحقا باستخدام هذه الشخصيات في مؤلفه. القصة تصور شعري في السعي الدؤوب الذي يمتلكه الإنسان تجاه الله.
_______________________
*عبد الإله الجوهري : ناقد ومخرج سينمائي من المغرب
