تضعنا رواية محمد جعفر “مع النساء ضد الحب” أمام طبيعة العلاقة بين المؤلف وشخصياته، بين نجيب محفوظ، مثلًا، في القاهرة، الشخص الذي يجلس حول طاولة، ويشرب قهوته، ويتحدث إلى أصحابه، ونجيب محفوظ الشخصية المتخيلة في رواية. هناك سؤال عن الشخصية في هذه الرواية بين الكاتب الخالق وبين القارئ الذي ترفعه إلى مقام عالٍ نظريةُ القراءة.
محمد جعفر، في روايته مع النساء ضد الحب، اجترح عالمًا متخيلًا، نقل إليه اسمه محمد جعفر ليكون اسم الشخصية الرئيسة. وصفته كاتبَ قصصٍ وروايات، وذكر إصداراته المعروفة للقراء، وحتى أفكاره حول الكتابة التي صرّح بها في نصوص موازية أخرى، وتصوراته السياسية، وربما طبيعة وظيفته. فماذا تبقى إذن للشخصية المتخيلة، خارج سلطة الشخص الواقعي: الكاتب؟
ومن زاوية أخرى، لا يمكنني وضع الرواية ضمن الاشتغال الميتاسردي، لأن محمد جعفر، في النهاية، شخصية متخيلة، وليس من الوارد أثناء السرد حضورُ محمد جعفر الكاتب كشارحٍ أو مفسرٍ لعملية كتابة النص، ولم تصلنا إشارة من المؤلف إلى أن الحكاية مصنوعة. الراوي محمد جعفر الشخصية، هو من تحمّل أعباء السرد.
يناقش الراوي في المدونة السردية أربعَ قضايا أساسية: أولها الكتابة والمشهد الثقافي في الجزائر، ثم جائحة كورونا بوصفها انهيارًا نفسيًّا قاد إلى تحولات على مستوى العلاقات الإنسانية. يناقش أيضًا الحراك الشعبي والتظاهر ضد العهدة الخامسة، لكنه في الأساس يتصدى للحب، والخوف من الشعور بالانقياد للعواطف، فهو يفشل تقريبًا في علاقاته جميعها، ويبدو عليه في النهاية مذعورًا من العلاقات المستقرة، ساعيًا إلى وضع علاقته بالمرأة في دائرة العابر، الذي لا يتحمل أي عبء أو مسؤولية.
لكن هذه القضايا يجمعها خيط واحد، هو الخذلان، والشعور بالخيبة: علاقة الحب مع نوال، مثلًا، بوصفها امرأة مخادعة، فشل الحراك الشعبي وتقويض الأحلام، الفراغ والخيبة النفسية التي ولدتها أيام الحجر الصحي، والواقع الثقافي المزيف. إنها، في جوهرها، رواية عن الخيبة، واللا جدوى، والزيف، والخوف. أراد محمد جعفر الكاتب أن يمنح حياته، أو جزءًا منها، إلى محمد جعفر الشخصية الروائية، ليتحرك المؤلف ربما في مساحة متخيلة لكنها آمنة، للتعبير عن خطاب نقدي، أو هواجسَ وأفكارٍ عن الحب، والسياسة، والكتابة أيضًا.
_______________________
* زهير كريم : كاتب وروائي عراقي مقيم في بروكسل
