شجرةً يا رب || شعر فدوة الزياني

نصوص | مدار 24

إنه اليوم الثَّالث

ولم أمُت بعد

العِرقُ في رقبتي في اليومِ الأوَّل

كان ينبِضُ بقسوة

لم يكن السَّبب فرطاً في تدفُّق الأدرنالين

لكن كم كان مرعِباً أن تُقتَل

بيد من تُحِبّ

في فمي تعَثُّرُ كلام وطعمٌ غير مُحدَّد

لماء لم يعد يجري.

على وجهٍ مأخوذ،

عينَانٍ من توَسُّل

مفتوحتَان على  شيء لا يُرى

ثُمَّ واحدة تلو الأخرى

تساقطَت منهما النُّجوم

وحلَّت العتمة

لم يكن السبَّب هلعاً

بل خفقة قلبٍ طُعن فجأة.

الرجال يُنهُون  علاقات الحبّ

كتُجَّار البَالِي في أزقَّة الحيّ

تجارة رابحة لأولئك الذين  يعرفون أجسادهم

كما يعرفون عقُولهم

يبيعون الكُولاج الجَاهز

يبيعون الطَّقطقة العشوائية للمِقصَّات

صباحات الخير بأصابِعِ مُلوَّنة

المُعانقات والمواعِيدَ المعلَّقَة

يبيعون الشِّعر

وارتباك المُصافحات قبل الاعتراف

يبيعون سِحرَ الصُّدف

تجارب الجَسد

السَّذاجة المفتعلة في القبلة الأولى

يبيعون صوتَك وبحَّته المحمومة

مزاجك المُضطرِب

الحواجِز التّّي قَفزتَها كي تَصِل

يبيعون فشلَ الخُطوة ودمَ الشَّوكِ في قدمَيك

الخناجِر في ظَهْرك

شمسَك وابتسامَة دمعِك

فرحَك ورهافَة أحلامِك

حياةً كامِلةً

مُسجَّاة في صندوقٍ عتِيق

يبيعُونها، لرُبَّما تصلحُ زينَةً على رَفِّ أحدِهم،

تأكيداً على أنِّك منهم

قبل أن ترحل

بِعتني ماتبقَّى في كيسك الأسود

كان قطعة من ظَلام

أو كان قَسوَة

كُنتَ ترحَل..

وكنت أتفوه بكلمة واحدة “شجَرةً”

شَجَرةً يارَبُّ

يارَبُّ اجعلني شَجَرة

لا أريد أن أكونها مرَّة أخرى

المرأة التي هُجرت

لكنني هكذا وُلدت

لربما كان خطأً في الصُّنع

أو ربما ببساطَةٍ

بدَل أن يكون اصبعا سادِساً أضحك به الأطفال

أو شفَةً مشقُوقة تجلبُ العطف

خُلقت بتَصَدُّع ملازم في القلب

وبجملة تتكرَّر في صحيفة الحياة

المرأة التي يجب أن تُهجرَ قبل النّهاية

شجَرة يارَبُّ

شجَرة يارَبُّ

شجَرة يارَبُّ

قبل أن يُغيِّر الحُبّ جِلده

ويعودَ عبرَ طريقٍ مُختلف.

_____________________________
* فدوة الزياني : شاعرة من المغرب، صدر لها عدد من المجموعات الشعرية؛ خريف أزرق، اسبق النهر بخطوة، خدعة النور في آخر الممر، ماتريوشكا، ضد الوحدة.
* اللوحة للفنان : محمد بن لامين

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.