هيرمان كورتير أعظم شعراء هولندا || ترك الطبيعة ووجد ضالته في الاشتراكية

كتبه | محمد الحسين

كتب الشاعر الولندي هيرمان كورتير من شعراء ثمانينات القرن التاسع عشر في واحدة من أهم قصائده يقول : “جبت العالم طولاً …عرضاً / لم أحصل على مبتغاي / ألقيت اللوم على كاهلي” وفي موضع آخر من القصيدة ذاتها التي حملت عنوان “أنهيار حياتي” يقول أيضا : “نحن الآن قوس قزح / العالم واسع لا حدّ له / غير أن حياتي / تناثرت” وقد ترك هذا الشاعر بصمة واضحة في الأدب والشعر الهولندي، وخلد اسمه كواحد من أهم الشعراء في العالم.

برز أسم كورتير في البداية كمنظر شيوعي وكاتب وثوري اشتراكي، ومثقف عضوي مهتم بالفلسفة، ثم شاعر ملحمي عد كواحد من أعظم شعراء هولندا الأوائل، ومن أكثر أقرانه موهبة في الشعر، إذ تلقى شهرته كشاعر منذ عام 1889م عند نشره لقصيدته الملحمية “ماي” التي تضمنت أربعة آلاف بيت، والتي اعتبرت قمة في الأبداع بين الشعر الهولندي السائد في تلك الفترة “الشعر الإنطباعي”.

هيرمان كورتير المولود في رومرفير عام 1864م، أبنًا لأديب وقس هولندي، والذي تحمل جائزة أمستردام للشعر أسمه، كان من أشد المؤمنين بالنظرية الأشتراكية، وكان عضوا مؤسسا في الحزب الشيوعي الهولندي، وقد أرسل رسالة إلى لينين يهنئه بنجاح الثورة البلشيفية، ولكنه ترك الحزب في نهاية حياته، عندما شعر بمخاوف سياسية من اتساع الثورة الشيوعية الى اوربا الغربية دون تحقيق نتائج.

وتحكي ملحمته الشعرية عن ميلاد الفتاة المسماة (Mei) وهي تجسيد للربيع تسود عند ولادتها البهجة والسرور وتخلب الطبيعة الهولندية الألباب أكثر من سحر التلال، ولكن سرعان ما يمضي كل هذا الجمال والسحر وتحل محلها شقيقتها المسماة (Juni) التي تشعر بدنو الأجل.

ترجمت الملحمة الى اللغة الإنجليزية، وأكسبته شهرة واسعة على النطاق العالمي، ثم إنه تبعها بديوان شعر غنائي بعد سنوات قليلة من نشرها، والذي تضمن نصوص قصيرة، حمل اسم “Verzen” وصدر في عام 1890م والذي زاد من شهرته في الوسط الأدبي.

ساهم هيرمان كورتير بافتعال ثورة شعرية مهمة في الأدب الهولندي عرفت ب “حركة الثمانينيات” وشارك معه مجموعة من الشعراء الشباب، وأندفعوا الى كسر التقاليد وقوالب الشعر النمطية، بهدف وضع الشعر على أساس الحقيقة والواقعية، إلا أن هذه الحركة لم تحدث تأثيرا كبيرا في الوسط الأدبي لأسباب عديدة منها أفتقارها إلى العمق. لكن تأثير كورتير كشاعر برز أيضاً في طليعة شعراء الخمسينيات من القرن العشرين في أوربا.

انغمس كورتير كثيرا في الفكر الاشتراكي، وقد صبّ اهتمامه الكبير في مجال الشعر والفكر الذي سخره لتتبع الحركات اليسارية، ثم عمل على قصيدة رائعة من خمسمئة صفحة بعنوان “بان” . أمضى تسع سنوات في تأليفها في العقد الأول من القرن العشرين، تحدث فيها عن تاريخ الحركة العمالية. وقال بصريح العبارة إحدى قصائده : “لقد وجدت شيئًا أعظم بكثير من الطبيعة.” حيث غلب الشعر الأشتراكي على قصائده في الحب والطبيعة في معظم أعماله.

ذهب كورتير  إلى سويسرا لتلقي العلاج، ولما شعر بتحسن حالته قرر العودة إلى وطنه الأم هولندا لكنه قطع رحلته إلى بلجيكا ثم فارق الحياة في بروكسل في 15 سبتمبر من عام 1927م وكانت خسارته كبيرة في الوسط الأدبي والثقافي الهولندي، وقيل أنه قضى ساعاته الأخيرة في ترتيب كتاباته غير المنشورة.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.