في يوم تخليد سعدي الشيرازي || حكيم الشعر والنثر الفارسي

خاص | مدار 24

يقول سعدي الشيرازي في إحدى غزلياته : “يا سعدي ليس ثمة أحسن من حديثك / تحفة الزمان لأهل المعرفة أنت / هنيئاً للسانك العذب / الذي أثار كل هذا الشوق في العالم”

يحتفل الإيرانيون في اليوم الأول من شهر أرديبهشت الموافق ليوم 21 من شهر نيسان بذكرى تخليد الشاعر الفارسي الكبير سعدي الشيرازي، وهو اليوم الذي اختارته منظمة اليونيسكو لإحياء وتخليد الشاعر الفارسي الذي جاوز الآفاق.

ذكر الجاحظ، الأديب العربي الشهير في القرن الثالث الهجري، في كتابه “البيان والتبيين” في وصفه فن الخطابة قائلا : “أخطب الناس الفرس، وأخطب الفرس أهل فارس.”

ورغم أن للجاحظ نظرته الخاصة، إلا أن ذلك لم يمنعه من إنصاف البلاغة الفارسية والألفاظ الجميلة والمعاني الثرية في اللغة الفارسية. إن إشارة الجاحظ إلى فصاحة أهل فارس تحمل في طياتها حقيقة مهمة؛ فشيراز، المدينة التي اشتهرت منذ القدم بأنها أرض الشعر والأدب، اكتسبت بفضل وجود شعراء من أمثال سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي مكانة فريدة لا مثيل لها في الجغرافيا الأدبية والثقافية لإيران.

ولكن لا شك في أن ما تركه لنا عبقري الحكمة والأدب الفارسي شاعر الإنسانية سعدي الشيرازي، هو ترجمان لقلب الإيرانيين، أو كما قال الشاعر الايراني الراحل رهي معيّري : “الكل يقول، لكن قول سعدي مختلف”.

الشيخ مصلح الدين سعدي الشيرازي، المولود بشيراز في حوالي عام 580هـ والمتوفى في عام 691هـ (القرن السابع الهجري) وهو أفصح المتكلمين وأستاذ الغزل العشقي الفارسي البارع، وُفق في التعبير عن أسمى وأجمل المشاعر الإنسانية، وتلك التي محورها الحب والصداقة، بلغة الشعر الراقية، ولم يستطع أي خطيب في عصره مجاراته في هذا المضمار. حيث إن غزليات سعدي، بفضل ميله نحو الأخلاق والإنسانية وحسن السلوك – التي أولاها اهتماماً أكبر في “گلستان” و”بوستان” والمواعظ – لا تخلو من التوجهات الأخلاقية والإنسانية البناءة.

قُسمت غزلياته إلى أربعة أقسام : الغزليات القديمة، والطيبات، والبدائع، والخواتيم. ويبدو أن الغزليات القديمة كُتبت في شبابه، أما الطيبات والبدائع فكتبت في فترة نضجه وأوج شاعريته، وأما الخواتيم فتعود إلى شيخوخته.

ويعتقد العديد من دارسي سعدي أن أكثر ما يلفت الانتباه في لغة غزليات سعدي هو مهارته في صياغة الكلمات، وحركتها، وصفائها، وإخلاصها، وذوقه السليم؛ وهي الصفات التي تجعل لغته سهلة وممتنعة في الوقت نفسه.

لكن روائع شاعر شيراز العذب الكلام لا تقتصر على غزلياته فحسب. فسعدي هو المعمار العظيم للنثر الفارسي وأبرز ناظم للشعر التعليمي العرفاني في جميع العصور. أما “گلستانه” فهو تحفة فنية فريدة، من إبداع قلمه الخلاق.

“گلستان” إنها قوة فكر وقلم سعدي التي أثمرت، بعد ثلاثين أو أربعين يوماً من العمل الترفيهي للشيخ، كتاباً ظل على رأس الأعمال الأدبية الفارسية لأكثر من سبعة قرون منذ تأليفه، ولم يستطع أي كاتب حتى اليوم أن يخلق مثيلاً له.

لم يعترف الباحثون المعاصرون بهذه الحقيقة فحسب، بل اعتبروا سعدي أحياناً، بالاشتراك مع الفردوسي، مؤسساً للغة الفارسية الحديثة.

قال المرحوم الدكتور حميدي الشيرازي، أستاذ القصيدة المعاصرة، في موضع ما إن سعدي هو أول شاعر شيرازي، وهذا القول ليس مبالغة. ورغم أن أول خطيب قال الشعر في شيراز هو روزبهان بقلي، إلا أننا لا نعتبر روزبهان الشيرازي شاعراً بالمقام الرفيع.

سعدي الشيرازي هو أول شاعر فارسي عظيم يتمتع بنظرة عميقة وشاملة للثقافة الإيرانية. ففي القرن السابع الهجري، هاجر سعدي ماشياً من شيراز، وعندما عاد إلى هذه المدينة بعد فترة، لم يتخل عنه تراب شيراز وماء ركن آباد، وتذكر في شعره بهجة ونزهة نوروز شيراز.

تتجه أنظار شعراء وقراء الشعر في جميع أنحاء العالم الفارسي الشاسع، من ضفاف نهر السند وما وراء النهر إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، بل وعيون العالم الإسلامي بأكمله، نحو شيراز. وقد كانت شيراز حتى الغزو المغولي عام 616 هـ.ق مركزاً ومهداً للأدب العربي. وبعد ذلك انتقلت المركزية الثقافية من خراسان والعراق إلى غرب إيران، وبهذا الانتقال أصبحت شيراز مهد الشعر والأدب الفارسي.

ويحضرنا هنا قول الباحث الكبير في أشعار سعدي، هنري ماسيه، والذي وصف سعدي بإيجاز، حيث يقول: “لا شك أن الفردوسي ونظامي وجلال الدين مولوي هم أنهار عظيمة؛ لكن سعدي وحده عين ماء عذب تجري بهدوء ودون أمواج بين ضفاف مستوية”.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.