في ساعة متأخرة من ليلة السابع من أيار (مايو) الحالي، اهتز الوسط الثقافي بنبأ رحيل الكاتبة والشاعرة الإيرانية شيوا أرسطوئي. رحلت صاحبة البصمة المميزة في تدريس فن كتابة القصة في جامعة الفنون الجميلة في طهران.
في ثمانينيات القرن العشرين، كانت الشابة شيوا حاضرةً كمسعفة في أتون الحرب. تلك التجربة ألقت بظلالها على رؤيتها للحياة وإبداعاتها اللاحقة.
وفي تسعينيات القرن ذاته، اتخذت أرسطوئي من الرواية منبراً لطرح قضايا النسوية بمنظور مغاير، لتعلن عن حضورها اللافت بين الكاتبات الإيرانيات مع نشر قصتها الطويلة «حين رأيته أصبحت جميلة» (1991) التي تبعتها مجموعتها الشعرية «ضائع» (2013). وتبقى «جئت لأشرب الشاي مع ابنتي» علامةً فارقةً في مسيرتها القصصية، تكشف عن عمق اهتمامها بهموم المرأة المعاصرة.
لفّ الغموض رحيل شيوا أرسطوئي. بينما أكد نجلها نبأ الوفاة عبر صفحتها الرسمية على إنستغرام، تسرّبت إشارات من مصادر أخرى ترجّح فرضية الموت بإرادتها، بل وتهمس بالانتحار. يبقى السبب الحقيقي للرحيل لغزاً لم يعلن عنه رسمياً. لكنّ المقربين منها لا يترددون في الحديث عن يأس عميق استبدّ بها، عن إرهاق الروح الذي دفعها، كما يلمّحون، إلى اتخاذ قرار بإنهاء هذا العبء الوجودي.
تركت شيوا أرسطوئي إرثاً أدبياً ثرياً، تجلى في مجموعات قصصية آسرة مثل «جئت لأشرب الشاي مع ابنتي»، و«شمس وقمر»، و«أنا لست فتاة»، وروايات ذات صدى خاص كروايتي «باي باي شهرزاد» و«أفيون». ولم يقتصر إبداعها على الكتابة، بل امتد ليشمل الترجمة ومجال السينما.
في حوار سابق، عبّرت الراحلة بصدق عن تعقيد وضع المرأة الإيرانية خصوصاً الفنانات والكاتبات، قائلة بمرارة: «أن تكون إنساناً في هذه الظروف صعب، وأن تكون امرأة أصعب».
وفي حوار أجرته جريدة «شرق» مع القاصة والشاعرة الإيرانية الراحلة حول سؤال: هل يمكنك تصور مهنة أخرى لنفسك غير الكتابة؟ أجابت: «الآن لا. لكن قبل ذلك، قمت بأنواع مختلفة من الأعمال. منذ مراهقتي، كان مصدر دخلي هو التدريس الخصوصي. لاحقاً، اضطررت إلى العمل في كل شيء من رعاية الأطفال وكبار السن إلى تنظيف المنازل في ليالي رأس السنة الجديدة. ذات يوم، من شدة قلقي بشأن العمل وإيجار المنزل، كنت أشغل نفسي بقراءة الطالع لإحدى صديقاتي، وكانت فنانة تشكيلية. أوصتني بأن أقرأ الطالع لبقية صديقاتها مقابل مبلغ من المال. تلك كانت مغامرة بالنسبة إليّ تزامنت مع قلقي وقلة مالي، لذا صرخت: موافقة! وبما أنني أعشق التمثيل، فقد تقمّصت شخصية قارئة طالع محترفة وحددت موعداً مع صديقاتها في منزلي. تلك المدة القصيرة هي من أكثر فترات حياتي التي لا تُنسى. بصراحة، لم تكن تختلف كثيراً عن كتابة القصص!!».
ويبقى السؤال معلقاً: هل وضعت أرسطوئي بالفعل نقطة النهاية لما وصفته بعبث الوجود؟ وهل كان رحيلها إعلاناً صريحاً عن نفورها من هذا الهواء الثقيل الذي يرزح تحته الشعراء؟ لقد بدت شيوا كأنّ طاقتها على الاحتمال قد تلاشت أمام عذاب تراه ملازماً لامرأة تكتب في هذا الكوكب الذي حوّله الساسة وصنّاع الحروب إلى ساحة قتال.

1. يا ورقة، يا ابنة الغابة
يا ورقة، يا ابنة الغابة،
لقد عشقتك حين كتبت اسمك.
بدأ عرس الأوراق البكر،
وأسى أمهات الغابات اللواتي عرفن
لِمَ يطال التدنيس بناتهنّ الرقيقات.
يا ورقة، يا من أتيت بالقافية من الغابة،
وضعت اسمي جوار اسمك،
كي لا يدنّسه فوران المطر،
كي تكون بركة الظهيرة كل يوم
حديقة عزاء اللون وركود الماء.
يا ورقة، يا من جلبتِ المقعد من الغابة أيضاً،
تُجلسين اسمي جوار اسمك
كي لا يحجب ستار صالون الاستقبال
حياءنا،
كي تبقى الغابة دائماً وراء الستار.
يا ورقة، يا من بقيت عاشقة لي،
دعيتيني إلى العرس،
كي يكون القران
روحانيّاً، في خشب منبثق من الشجرة.
2. يا لوْن الدّم المتدرّج!
منْ دمي متعدد الألوان، كانتْ تفوح رائحة قشْر الفسْتقة الأولى منّي.
أنْت الذي منْ نباتك تفوح رائحة الكلمة الأولى في الدّنْيا!
صدقْت،
لمْ أكنْ هكذا مع أحد غيْرك.
أنا التي أعضّ ألذّ تفاحة لنساء الدّنْيا،
أنْت الذي بنباتك أشمّ مرجان زهْرة البحْر!
صدقْت،
لمْ أكنْ هكذا مع أحد غيْرك.
لي أنا،
التي منْ دمي تفوح رائحة قشْر الفسْتقة الأولى،
صدقْت،
لمْ تأْت إلّا عبر جلْد آخر كلاب الشّارع.
لي أنا،
التي أدير أنْعم ساعات الدّنْيا،
لك أنْت،
أنْت ذات النبتة المرجانية كزهرة البحر…
لمْ أقلْ هكذا لأحد غيْرك،
كما لمْ أكنْ هكذا مع أحد غيْرك.
الشّخْص الذي أحكي عنه
أوْدع روائح الجنين
لدى أعرق الصُّحف.
أنا التي
تنْكر أسْناني حتّى كوْني كلْبة
أنا التي،
منْ دمي بمختلف ألوانه تفوح رائحة قشْر الفسْتقة الأولى.
ألذّ كلماتي تحلّق كالفراشات، صدقْت،
لمْ أكنْ هكذا مع أحد غيْرك.
رأيْت نوْمهنّ حتّى الصّباح،
نعالهنّ في الظّلام،
كنْت حتّى أنْعم ساعات الدّنْيا
معهنّ.
صدقْت،
لمْ أكنْ هكذا مع أحد غيْرك.
3. لماذا نخدع أنفسنا
يا لخداع الذات!
يا لخداع الذّات!
أنّ الجدْي، لا الماءَ، يشْبع منْ امتصاص انعكاس القمر عنْد غروب العيْن.
الشّعْرُ
قُضِيَ أمْرُه
بستائر مسْدلة على ندى سرّ النّافذة.
انمحى الحبْر من القلم.
كتبْنا الصّمْت.
رفعتُ الأذان
بقدّ قامة القلم.
أنْشدْنا الثغاء
الشّعْر قضي أمْره.
والجدْي، لا القمر، شبع منْ امتصاص الماء عنْد غروب العيْن.
____________________________________
*المصدر : ملحق كلمات / الأخبار اللبنانية
