العنصرية الصامتة || الهوية الفارسية المغيبة في العراق

كتبه : محمد الأمين الكرخي | شاعر عراقي فارسي

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ظل صمت مطبق يخيم على شريحة أصيلة من المجتمع العراقي: العراقيون من أصول فارسية. هذا الصمت ليس اختيارياً، بل هو نتاج عقود من الاضطهاد المؤسسي والكراهية العنصرية التي صورتهم كتهديد لوحدة البلاد. بينما يحتفي العراقيون بهوياتهم العربية والكردية والتركمانية، يجد العراقيون الفرس أنفسهم مضطرين للتنكر لأصولهم خوفاً من التمييز والإقصاء.

إن إنكار هذه الهوية ليس مجرد تجاهل لتنوع النسيج الاجتماعي العراقي، بل هو جريمة تشارك فيها أطراف عديدة. من المؤسسات الحكومية التي تتجاهل وجودهم، مروراً بأحزاب سياسية تغذي الانقسام، وصولاً إلى ما يسمى بـ “النخبة المثقفة” التي تتغاضى عن هذا الظلم أو حتى تساهم فيه. حتى المحكمة الجنائية العراقية العليا، في سعيها لتحقيق العدالة، تبدو غافلة عن هذا البعد الإنساني والاجتماعي المهم.

یدرك عدد غير قليل من المثقفين العراقيين حقيقة أن “شاعر العرب الأكبر” محمد مهدي الجواهري ينحدر من عائلة فارسية. المفارقة المؤلمة تكمن في أن البعض يسعى جاهداً لطمس هذه الحقيقة عبر الأكاذيب، بينما يفضل آخرون اعتبارها تفصيلاً غير ذي أهمية. لكن كيف يمكن لتجاهل جذور شخصية عظيمة كهذه أن يخدم فهمنا لتكوينه الفكري والشعري؟

في الواقع، إن الأصول الفارسية للجواهري، وتأثره بالشعراء الثوريين الذين عاصروا الثورة الدستورية الإيرانية، قد شكلت رافداً مهماً في تكوين شخصيته المناوئة للاستبداد. إن تغييب هذا الجانب الحاسم من دراساتنا للجواهري ليس مجرد إهمال أكاديمي، بل هو انعكاس لذات السياسة العنصرية التي تسعى لتغييب العراقيين الفرس من المشهد العراقي برمته.

قد يعتبرني البعض “مغردًا خارج السرب” لكشفي هذه الحقائق، لكن ضميري يرفض أن أكون شريكًا في تزوير هويتي أو هوية الآخرين. لا يمكنني أن أقدم نفسي بهوية أخرى بموجب قوانين جديدة تسنها قوى الأمر الواقع. ولن يثنيني أحد عن ذكر شخصيات عراقية مؤثرة في مختلف المجالات، من أمثال سلام عادل وعزيز علي وجعفر الخليلي، التي تنحدر من أصول فارسية.

إن المجتمعات التي تتجاهل أو تغيب مكوناً قومياً من نسيجها الاجتماعي تستحق الرثاء. والمثقفون الذين لا ينتصرون لشريحة مضطهدة في مجتمعهم، عليهم أن يعيدوا النظر في إنسانيتهم. لقد آن الأوان للعراق أن يعترف بتنوعه الحقيقي وأن يتخلى عن هذه العنصرية الصامتة التي تمارس ضد جزء أصيل من شعبه. إن الاعتراف بالعراقيين الفرس وهويتهم ليس تهديداً للعراق، بل هو إثراء له وقوة إضافية لوحدته الوطنية الحقيقية.

* الصورة : حجز العراقيين الفرس قبل التهجير

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.