حوار افتراضي مع شيخ المتصوفين فريد الدين العطار

كتبه | أسعد جبوري _ شاعر وكاتب عراقي

• نبذة :

فريد الدين العَطّار شاعرٌ فارسيٌ متصوفٌ، قال البعلبكي أنه “يُعتبر أحد أعظم الشعراء والمفكرين الصوفيين المسلمين.” وعُرف العطار بغزارة الإنتاج، وقد تركت أعماله أثرًا ملحوظًا في الأدب الفارسي وفي الآداب الإسلامية الأخرى أيضًا. ومن أشهر آثاره منطق الطير وهو شبه ملحمةٍ، ويعتبر أوضح تفسيرٍ شعريٍ للتصوّف الفارسي.

ولد فريد الدين العطار في نيشابور في مارس 1145م، وتوفي أيضًا في نيشابور سنة 1221م ودفن فيها، وتأثر العطار بالشعراء القدماء من أمثال عمر الخيام، سنائي الغزنوي، أبو يزيد البسطامي، والحسين بن منصور الحلاج، ومن أعماله البارزة : منطق الطير، وتذكرة الأولياء

_______________________________________

س: أية حكمة رأيتها في الحرب يا فريد الدين العَطّار؟

ج- رأيتها عنقاً تشرئبُ عليه السيوف بفتنة الطغاة وافتتان القاتلين.

س:وكيف يراها الشعرُ كما ترى؟

ج- لا يجد الشعرُ نفسه في الحرب إلا كأعمى على أسطر يفتقدُ المشيُّ عليها أعمدة الكهرباء وأدلة السياحة الخراب وأصوات البائعة المتجولين.

س:كم من طبقة لظلمات الأسى في الأنّفس؟

ج- هنّ ثلاث طبقات. أولاها طينُ الفؤاد وما طُبع عليه من تشتت وفراق وخربشات لأرامل الغرام . وثانيها تصاوير المحتضرين على الباب المشترك لعينين بألوان التين والزيتون. وإمّا ثالث تلك الطبقات، فهي الواقعةُ بموقف الإيمان الضعيف.

س:الإيمان بمنْ؟

ج- بوزرِ الزهد، حافظُ الروح والأمثولةُ الإلهيةُ المحاطةُ بنورٍ سمكهُ سور الصين .

س:هل يصح وأن يرتفع الشاعرُ إلى مرتبة الأولياء برأي فريد الدين العَطّار ؟

ج-ذاك لا يصح كما أظنُ، وإن تحققَ فهو لا يدوم.

س:وما الأسباب التي تحول دون ذلك ؟

ج- قلبُ الشاعر الذي نصفهُ آثامٌ لا يسترها تكتمٌ، والنصف الآخر مراهقة الدم وهي تفور في العروق بفوضى لا سيطرة عليها لنظام أو ضابط.

س:وهل وجدت الأولياء خُواةً بلا قلوب تحبُ ودون نار تدبُّ في شبكة الدم يا عطار؟

ج-لَمْ أرَ عند الأسلاف قاعدةً تُنَظمُ عليها إيقاعات الأفئدة، ومع ذلك فقد قرأتُ بمرايا أنّفسهم صخباً لموجات تخرجُ من منابع الأرواح ولا تنتهي   بمَصَبَّات ما خلق الله من نساءات.

س:وأنت يا شاعرُ يا عطار، كيف خرجت من أنبوبة الحياةِ لتصريف الأعمار ،فأصبحت تحت التراب جذراً لا هو بالميّت ولا هو بالحي ؟!

ج- أنا ما زلتُ في مجرى سموّ الموت أهرولُ  دونَ توقف عند إشارة أو سور أو قضبان.

س:ومَنْ كان الواقف عند تلك الإشارات كما رأيت؟

ج- ليست سوى الرّيح، وقد أمسكتُ بها مستعيناً للطيران فوق عش الوقواق .

س:كان ذلك فيلماً أمريكياً يروي قصة بطل اسمه ( راندل باتريك ماكمفري) الذي يغتصب فتاة في الـ15 من عمرها مما يدخله السجن فيدعي الجنون ليُنقل لمشفى للأمراض العقلية ويحاول الهرب هناك. دون التمكن من ذلك. ولكن ما علاقة فريد الدين العطار بهذا؟!!

ج- أنا أيضاً كنت أشعر أن التصوف اغتصاب معرفي لطبقات الغيب، وأنني شبيه براندل باتريك الذي حاول الفرار من فعلته لغسل إثمه الثقيل بتمثيل الجنون.

س:ألا تظننأ ان بالتصوفِ سلطةً للجنون ؟

ج- نعم. ففي الكثير من الأحايين تخرج الأجساد عن الدائرة، وتقع في متاهات لا تُنسب لجهد العقل ولا يفعلها عاقلون يرغبون الاتصال بالله عن طريق ما يُسمى بالرقص الروحاني على إيقاع طبول ،كلما زاد ضربها بعنف وقوة ،كلما ترسخ الظنُ بأنها تزداد كسباً لرحمته تعالى!

س:ما الثُمالة التي وجدتها بالتصوف يا فريد الدين العطار .وهل ثمة شيء ما يربطها بنشوة الخمر ؟

ج-لا توجد مرتبةٌ واحدة لتلك الثمالة الذهنية التي تصعد بالأرواح إلى ما تُظنُ بالسلالّم الإلهية.ثمة رتبٌ وثمة مراتبٌ لنشوة تجمع ما بين رائحة الخمر المنبعثة من الأعماق وما بين أصوات الذكر وتجلّيات الأدعية الدينية،حيث يندمج الاثنان –الرائحة والأصوات- بطاقة تذهبُ بالعقل إلى ما وراء الجسد ،فيتم الاحساس بكسر الحجاب أو الستر ما بين العبد والمعبود.

س:ألمْ تجد الشيطان البيولوجي كامناً بتلك اللعبة وهي تستغفلُ الرؤوس التائهة دوراناً للمخ وإرهاقاً للبدن واستغلالاً لمتوسط معرفة الرَّقّاص بشؤون رياضتهِ الدينية؟

ج- كلُّ بيولوجية ابتلاء بمحنة. وليس كلّ ترياق تصويبٌ لمرض في دين أو في عقل .فمذاهبُ الأرض لا تذهبُ بالأنفس الضآلة إلى النار وحسب ،إنما تأتي بالموت ليكون حارس الأدمي وهو  حيّ يرزقُ بالذهب وبالياقوت وبسوائل الأفكار السوداء.  .

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.