من المفارقات اللافتة، أن بعض المثقفين العرب، الذين يعيشون في بيئات أدنى بكثير مما هي عليه في إيران من حيث مستويات الحرية، يبدون اهتمامًا مبالغًا فيه بالحديث عن “النظام القمعي” في إيران عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يتجنبون أي نقد لأنظمتهم.
هؤلاء المثقفون الذين قد يخشون مجرد شرطي في بلدانهم لدرجة تكاد تصل إلى الهلع، يجدون في انتقاد إيران متنفسًا آمنًا للتعبير عن “مبادئهم” حول الحرية والديمقراطية. وكأن قضية القمع تقتصر على حدود دولة واحدة، بينما يتجاهلون أو يتغاضون عن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الممنهج في أوطانهم.
هذا السلوك يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير التي يتبناها البعض. ففي الوقت الذي يصورون فيه إيران على أنها بؤرة القمع والاستبداد، يلتزمون الصمت المطبق تجاه ممارسات الأنظمة في بلدانهم، والتي قد تكون أشد قمعًا وأكثر فظاعة.
إن الانشغال المفرط بما يحدث في الخارج، مع تجاهل الواقع الداخلي، قد يعكس إما خوفًا حقيقيًا من مواجهة السلطة في الداخل، أو رغبة في الظهور بمظهر “المثقف الثوري” دون تحمل أي عواقب حقيقية. وفي كلتا الحالتين، فإن هذا السلوك لا يخدم قضية الحرية أو العدالة، بل يساهم في تشتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية التي تواجه مجتمعاتهم.
من المهم للمثقفين الحقيقيين أن يكونوا صوتًا للحق أينما وجد، وأن يتجرأوا على نقد القمع أينما كان، بدءًا من عتبات بيوتهم إن لزم الأمر، بدلًا من الاكتفاء بالانتقادات الموجهة إلى جهات يعتبرونها “آمنة” للانتقاد.
