بالفيديو : “ركضة طويريج” نهرٌ بشري يتدفق حباً ووفاءً في قلب كربلاء
كتبه : نجلاء الخالدي
شارك اليوم الأحد (2025/07/06) ملايين الشيعة في ركضة طويريج مكررين موعد البيعة والوفاء للحسين بن علي وموقفه الخالد في عدم الرضوخ للظلم والفساد، فما هي حكاية هذا الطقس الملحمي الذي يحرص شيعة العالم على إحيائه كل عام؟
في كل عام، ومع حلول العاشر من محرم، تتحول مدينة كربلاء المقدسة إلى قبلة لملايين العشاق، ليس فقط للزيارة والتباكي، بل للمشاركة في مشهد فريد يلامس الروح ويخطف الأبصار: ركضة طويريج. هذه المسيرة المليونية، التي تنطلق بعد صلاتي الظهر والعصر مباشرةً، ليست مجرد طقس عزائي، بل هي نهرٌ بشري متدفق من الوفاء والحب للإمام الحسين (عليه السلام)، وتجسيدٌ حيٌّ لصرخة “يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً”.
• منبع الشوق: كيف بدأت الحكاية؟
يعود تاريخ هذه الركضة العفوية إلى عام 1885 ميلادي (1303 هجري)، وإلى قضاء طويريج (أو الهندية حالياً) الواقع على بُعد حوالي 10 كيلومترات شرق كربلاء. تحكي الروايات المتواترة أن مجموعة من أهالي طويريج كانوا يستمعون إلى مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في حسينية القضاء يوم عاشوراء. ومع بلوغ القارئ لحظة استشهاد الإمام العطش، لم تتمالك القلوب المؤمنة نفسها. تفجر الحزن غضباً مقدساً وشوقاً جارفاً، فاندفع الحاضرون بشكل تلقائي، يرددون “يا حسين!” و “لبيك يا حسين!”، راكضين نحو مرقد سيد الشهداء، تعبيراً عن لوعتهم ورغبتهم الجامحة في نصرته لو كانوا شهوداً على تلك الفاجعة.
منذ تلك اللحظة المؤثرة، لم تعد تلك الركضة مجرد رد فعل عابر، بل تحولت إلى تقليد سنوي يتوارثه الأجيال. أصبحت الركضة رمزاً حياً لتجديد العهد والمواساة، يشارك فيها اليوم مئات الآلاف، بل الملايين، من شتى بقاع الأرض، ليُشكلوا معاً مشهداً لا مثيل له في الإخلاص والتضحية.
• مشهد الوفاء: كيف تتجلى الركضة؟
تتميز ركضة طويريج بكونها مسيرة سريعة، مليئة بالحماس الجياش والاندفاع الروحي. يركض المشاركون، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، وهم يلطمون صدورهم أو رؤوسهم بحرارة، وتختلط أصواتهم بترديد الشعارات الحسينية الخالدة: “لبيك يا حسين”، “حسيناً وا إماماه”.
تبدأ الركضة عادةً من منطقة قريبة من مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، لتشق طريقها نحو الصحن الحسيني الشريف، ثم تعبر إلى الصحن العباسي الطاهر، وتُختتم غالباً في ساحة ما بين الحرمين الشريفين، لتُجسد رحلة الحزن والولاء منطلقين من عمق الذاكرة إلى حرم الإمامين. كل خطوة في هذه الركضة، وكل لطمة، وكل صرخة، هي رسالة حب غير مشروطة وتعبير عن رفض الظلم ومناصرة الحق.
• صدى القيم : ما الذي تمثله الركضة؟
تتجاوز ركضة طويريج كونها مجرد شعيرة عزائية، لتصبح ظاهرة اجتماعية وروحية عميقة الأثر:
• تعبير عن الولاء الخالد : إنها تجسيد حي للولاء المطلق للإمام الحسين (عليه السلام) وتجديدٌ للعهد بنصرة قضيته العادلة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان.
• مشهد إيماني مهيب : تُشكل الركضة لوحة فنية إيمانية تُظهر عمق الحزن والأسى على فاجعة كربلاء، وتُحفز المشاعر الإنسانية النبيلة تجاه المظلومية.
• رمز للوحدة والتآزر: على الرغم من طابعها الفردي في الاندفاع، إلا أنها تُظهر وحدة الصف بين ملايين المعزين من مختلف الأعمار والجنسيات والطبقات الاجتماعية، يجمعهم حب الحسين (عليه السلام).
• إحياء للذكرى وتوريث للقيم : تُسهم هذه الركضة بشكل فعال في إحياء ذكرى عاشوراء، وتغرس في نفوس الأجيال المتعاقبة قيم التضحية والفداء، والوقوف ضد الظلم، والسعي نحو العدالة.
ركضة طويريج ليست مجرد سباق أو مسيرة، بل هي نبضٌ حيٌّ لقلوب ملايين المؤمنين، تتدفق في شريان كربلاء في يوم العاشر من محرم، لتُجدد ذكرى التضحية العظمى، وتُعلم الأجيال معنى الحب الحقيقي، والوفاء الذي لا يموت. إنها حقاً من أروع تجليات الشعائر الحسينية، ورمزٌ لصمود الإرادة الحسينية على مر العصور.