سجن الصحفيين .. موقف عن حرية الصحافة في إيران

كتبه : سعيد دهقاني _ كاتب وصحفي إيراني

وفقًا لتقرير مراسلون بلا حدود (RSF) لعام 2024، تحتل إيران المرتبة 177 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، ما يجعلها واحدة من أقل الدول احترامًا لحرية الإعلام على مستوى العالم. وتُصنَّف إيران ضمن الدول “العدوّة للإنترنت”، حيث تُفرض قيود صارمة على الوصول إلى المعلومات المستقلة. ويعكس هذا الوضع صعوبة وصول الصحفيين والمواطنين إلى الأخبار والمصادر خارج نطاق الرقابة الرسمية، فيما يحد من إمكانية النقاش المنفتح حول القضايا الوطنية والدولية.

إذ تخضع الصحافة في إيران لرقابة مشددة من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وتُعتبر بعض المواضيع “محظورة” بشكل كامل، مثل انتقاد المرشد الأعلى، أو تناول حقوق المرأة، أو كشف ملفات الفساد المتعلقة بالحرس الثوري. الصحفيون الذين يحاولون تغطية هذه المواضيع معرضون للاعتقال والمحاكمة، وغالبًا ما يُتهمون بـ”التعاون مع قوى معادية” فقط بسبب نقلهم للحقائق أو انتقادهم لسياسات الدولة.

وعلى الصعيد الرقمي، تُحجب معظم المواقع الإخبارية الأجنبية مثل BBC Persian وRadio Farda، ويضطر العديد من الإيرانيين لاستخدام شبكات VPN للوصول إلى مصادر الأخبار العالمية. تعكس هذه القيود محدودية حرية الإعلام الرقمي، وتشير إلى مدى تحكم الدولة في المعلومات المتداولة داخل البلاد.

إن الإعلام الرسمي مثل وكالة إرنا (IRNA) وقناة العالم الناطقة بالعربية يركز على الترويج للسياسات الرسمية للنظام، ويقلل من التعددية في عرض الأخبار. إذ أن الإعلام الخاص نادر جدًا، ومعظمه تابع لمراكز قريبة من الحكومة أو الحرس الثوري، مما يجعل المشهد الإعلامي الإيراني خاضعًا لأجندة الدولة بشكل شبه كامل.

والملاحظ أن الإعلام الإيراني الناطق بالعربية، بما في ذلك قناة العالم والميادين ووكالة تسنيم، يهدف إلى تصدير الرواية الإيرانية إلى العالم العربي. هذا الإعلام يركز على نقد السعودية ودول الخليج خاصة في الملفات المتعلقة باليمن وسوريا، ودعم محور المقاومة بما يشمل حزب الله، النظام السوري، والحوثيين في اليمن، ويعمل على إبراز الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء مشتركين للمنطقة.

قناة العالم تبث من طهران وتستهدف الجمهور العربي مباشرة، وتتخذ خطابًا إعلاميًا معاديًا للسعودية والغرب. وكالة تسنيم، التابعة للحرس الثوري، تقدم الأخبار من منظور عقائدي شيعي، بينما الميادين، المقرها بيروت وتمويلها إيراني، تُعد أداة ناعمة لبث رواية “محور المقاومة” وتحقيق تأثير سياسي وثقافي بين الجمهور العربي.

في سياق الأحداث الإقليمية، الإعلام الإيراني يعرض دعمه للقضية الفلسطينية، لكنه في الوقت نفسه ينتقد السلطة الفلسطينية ويُبرز المقاومة المسلحة كخيار رئيسي. أثناء الأزمة السورية، ركز الإعلام على دعم النظام السوري وتبرير التدخل العسكري الإيراني، بينما في اليمن، يُصور الصراع على أنه عدوان سعودي على الشعب اليمني، مع تجاهل أو تبرير دعم الحوثيين.

يمكن القول إن الإعلام الإيراني، خاصة الناطق بالعربية، لا يهدف إلى نقل الحقائق بشكل محايد، بل يسعى إلى دعم السياسات الخارجية لإيران والترويج لأيديولوجيتها. ويُظهر هذا الدور كيف يمكن للإعلام أن يكون أداة للسياسة والنفوذ، بعيدًا عن دوره التقليدي كمنصة لنقل المعلومات وحرية التعبير.

 “حرية الإعلام في إيران محدودة للغاية، حيث تخضع الصحافة لرقابة صارمة من قبل الدولة، ويتم إسكات الأصوات الناقدة للنظام. الإعلام الإيراني، خاصة الناطق بالعربية، لا يتعامل مع الأحداث في العالم العربي من منظور محايد، بل يهدف إلى دعم سياسات إيران الخارجية والترويج لأيديولوجيتها، لا سيما في مناطق النفوذ مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق.”

__________________________________
• الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي منصة مدار 24 .

مقالات قد تعجبك

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.