كتاب القمر في حقل الزيتون || أغاني هايكو للشاعر الإسباني خوسيه سانتانو
خاص | مدار 24
صدر هذا العام 2025 كتاب “القمر في حقل الزيتون” (أغاني هايكو) للشاعر الإسباني خوسيه أنطونيو سانتانو، وهو عمل شعري مميز يجمع بين بساطة الهايكو الياباني وأصالة البيئة الأندلسية، تحديداً مشاهد الزيتون والقمر الذي يشكل رمزية مركزية في هذا الكتاب.
يركز الشاعر في ديوانه على لحظة تأملية غالباً ما تتعلق بالطبيعة، وينقلها بأسلوب مقتضب وعميق في الوقت ذاته. وفي هذا السياق، اعتمد سانتانو هذا الأسلوب لتقديم قصائد قصيرة تنقل لحظات شاعرية مستمدة من الطبيعة الأندلسية، خاصة من مشاهد بساتين الزيتون تحت ضوء القمر.
ويتناول الكتاب ـ في سياق إحياء تقليد شعري عالمي ـ ثيمة محلية متجذرة في تراث الأندلس، فالزيتون هو رمز متأصل في الثقافة الأندلسية ومنطقة البحر المتوسط عامة، ويرتبط بالأرض والحياة والدوام. أما القمر فهو عنصر شاعري يُستخدم في الأدب كرمز للرومانسية والاشتياق والسرور، وهذه الرموز تجمع بين جمال الطبيعة وحضور الإنسان فيها، مما يعكس فلسفة الكاتب الذي ينظر إلى الشعر كطريق للتواصل مع الذات والبيئة.
يضم الكتاب مجموعة من قصائد الهايكو التي تتنوع في موضوعاتها لكنها ترتبط جميعها بحاسة تأمل تجاه المشهد الطبيعي. تلتقط القصائد تفاصيل صغيرة مثل حركة أوراق الزيتون، انعكاس القمر على أغصان الشجرة، أو صوت الريح في المساء. ترافق هذه القصائد رسومات توضيحية من رسوم سانتانو نفسه، مما يجعل الكتاب قطعة فنية متكاملة تجمع بين النص والشكل. حيث يتميز أسلوب سانتانو في الكتابة بالهدوء والدقة في اختيار الكلمات، إذ لا يبحث عن التعقيد اللغوي بل عن نقاء التعبير وصدق المشاعر. فهو يسعى للوصول إلى “اللحظة” العابرة التي يحملها الهايكو في جوهره، حيث تصبح الطبيعة حية ومتناغمة مع الروح البشرية. وفي هذا الأسلوب، تتلاقى البساطة مع العمق، مما يتيح للقارئ فرصة التأمل الشخصي وإعادة اكتشاف تفاصيل الحياة اليومية من منظور جديد.
لا يقتصر الكتاب على كونه مجموعة من القصائد فقط، بل هو أيضاً تأمل في علاقة الإنسان بالأرض والذاكرة. عبر استخدام الزيتون والقمر، يربط سانتانو بين ماضي الأندلس وحاضرها، وبين ثبات الطبيعة وتغير الإنسان. وهذه العلاقة العميقة تجعل من الكتاب وثيقة شعرية تعبر عن الارتباط الروحي بالتراث الطبيعي والثقافي.
في النهاية، يقدم تجربة شعرية فريدة تمتزج فيها ثقافة الهايكو اليابانية مع خصوصية التراث الأندلسي، وهو كتاب يدعو القارئ إلى التوقف والتأمل وإعادة النظر في اللحظات الصغيرة التي قد تبدو عادية لكنها تحمل معانٍ إنسانية عميقة. من خلال بساطة اللغة وروعة الصور الشعرية، ينجح سانتانو في جعل القارئ يشارك في رحلة روحانية مع الطبيعة، ما يجعل القصائد مناسبة لمحبي الشعر الذين يبحثون عن تجربة قراءة مميزة، كما يمكن أن يكون مصدر إلهام لكل من يهتم بالتقاء الثقافات وأشكال التعبير الفني المختلفة.
يأتي هذا العمل كامتداد لتجربة سانتانو الطويلة في الشعر والنقد الأدبي، حيث يُظهر إحساساً متجدداً بالتقاليد الشعرية وتنوعها. كما أنه يساهم في تعميق فهم الهايكو في الثقافة الإسبانية، التي تفتقر نسبياً إلى هذا الشكل الأدبي. إضافة إلى ذلك، حاز الكتاب على جائزة تقدير من الجمعية الأوروبية لثقافة الزيتون (AEMO) لعام 2025، وهو ما يدل على تفاعل المجتمع الثقافي مع رسالة الكتاب التي تدمج بين الطبيعة، الثقافة، والفن.
_______________________________

منتخبات من قصائد الهايكو
1
ينبعث الهايكو
بعطر الزيتون الطازج
بعد العصر.
2
من بيت المزرعة
تُسمَع أناشيدُ
أشجار الزيتون.
3
بين شقائق النعمان
تلمع حبّات الزيتون،
ضوء الفجر.
4
لحم أرجواني
على أغصان الشجرة،
هاوية متنامية.
5
في الصباحات
النهر بين بساتين الزيتون
يُنعش الفكر.
6
بستان الزيتون
انعكاس القمر
لوحدةٍ صامتة.
7
بين الدروب،
أشجار الزيتون مصطفّة،
ظلال من فضة.
8
ذلك الزيتون
في ساغونتو الرومانية،
قبلة دافئة.
9
على الطريق
المؤدي إلى وادي غوَداهوس،
يتلألأُ الزيتون.
10
فضة الزيتون
في ليل الأزمنة،
جسر حجري.

يبدو أن الكتاب يجسد جمال الطبيعة الأندلسية بطريقة شعرية رائعة. فكرة الربط بين القمر وزيتون تبدو مميزة وتفتح آفاق جديدة للتأمل. أتطلع لقراءته!