أنثى لا تُهزم .. أنثى تطير بالحلم وحده
هي لا تمشي،
هي تطير،
بجناحين من حلمٍ لا يهدأ،
تخاف، نعم،
لكنها لا تتراجع،
تتعثّر،
لكنها لا تنكسر،
كأنها خُلقت من طينٍ فيه نُسج الضوء،
ومن وجعٍ فيه وُلد الرجاء.
تسعى لحلمٍ لا يجيء،
كمن تكتب رسالةً إلى غائبٍ لا يقرأ،
لكنها تكتب،
وتعيد الكتابة،
وتؤمن أن الحروف، إن صدقت،
تصل،
ولو بعد حين.
هي لا تملّ،
لأن التعب لا يعرف طريق قلبها،
قلبٌ يسكنه الحنين،
ويضيئه الأمل،
كأنها أنثى من نجمٍ وندى،
تتوهج حين يخفت الجميع،
وتحلم حين ينام العالم.
ترسم دروبها وحدها،
بأصابعٍ ترتجف أحيانًا،
لكنها لا تتوقف،
تزرع على أطراف الطريق أمنياتٍ صغيرة،
وتسقيها بدمعٍ لا يُرى،
وبضحكةٍ لا تُسمع،
وبإيمانٍ لا يُكسر.
هي لا تنتظر أحدًا،
لكنها تحبّ،
ولا تطلب شيئًا،
لكنها تعطي،
كأنها تعرف أن الحبّ الحقيقي لا يُشترط،
بل يُمنح،
كزهرةٍ تنبت في صخرٍ،
وتُزهر رغم كلّ شيء.
—
مونولوج أنثى لا تُشبه أحدًا
لا،
لن أكونَ ظلًّا يُناسبُ قياسك،
ولا مرآةً تُعيدُ إليك وهجك حين يخفت.
لن أُعيد ترتيبَ ملامحي كي تُرضي غرورك،
ولا أُخفي صوتي كي لا يُربك صمتك.
أنا لستُ قصيدةً تُكتبُ على هامش مجدك،
ولا نغمةً تُعزفُ حين يطيبُ لك الغناء.
أنا لستُ جسدًا يُفسّرُه جوعك،
ولا قلبًا يُعادُ تشكيله كلّما ضاقت بكَ المسافة.
أنا التي حين أحبّت،
أحبّت بكامل الضوء،
وحين غادرت،
غادرت بكامل الظلّ.
لن أُبرّر وجعي،
ولا أُفسّر صمتي،
ولا أُعيد سرد الحكاية كي تُفهمني.
أنا التي تكتبُ نفسها من جديد،
بلا إذنٍ من أحد،
وبلا حاجةٍ إلى تصفيق.
أنا التي تُعلنُ رفضها،
لا لتنتقم،
بل لتنجو.
—
ضياعٌ بين العتاب والشوق
أيها المسافر،
مهلًا على قلبي،
فهو لم يتعلّم النسيان بعد،
ولا أتقن فنّ التجلّد،
كلّما مرّ طيفك،
ارتجفَ داخلي كطفلةٍ
تبحث عن يدٍ كانت تطمئنها.
حدّثني عن شوقك،
هل ما زال يوقظك في منتصف الليل؟
هل ما زالت أغنيتي تطرق بابك حين تهرب من نفسك؟
أم أنك تعلّمت أن تطفئ الحنين،
كما يُطفأ المصباح حين يغادر الضوء؟
أنا هنا،
أحمل وجعي كوشاحٍ لا يُخلع،
أرتديه في كل صباح،
وأتزيّن به في كل مساء،
أخفيه عن العيون،
لكنه يفضحني أمام المرآة،
حين أرى امرأةً
تشبهني في الملامح،
ولا تشبهني في الحياة.
أعاتبك،
لا لأنك غبت،
بل لأنك تغيّرت،
لأنك عدتَ رجلاً لا يعرفني،
ولا يعرف كم منّي تركتُ فيك.
أشتاقك،
لا كما يشتاق العاشق لحبيبه،
بل كما تشتاق الروح لجزئها المفقود،
كما يشتاق الجرح ليدٍ
تفهم كيف يُضمّد دون أن يؤلم.
أنا تلك الأنثى التي ضاعت بين العتاب والشوق،
تريد أن تصرخ: “لماذا؟”
لكنها تهمس: “هل تذكرني؟”
تريد أن ترحل،
لكنها تنتظر،
تريد أن تنسى،
لكنها تحفظك في كل نبضة.
أصدقني القول،
هل كنتَ تحبّني؟
أم كنتَ تحبّ فكرة أنثى
تمنحك كلّها،
ثم تبقى؟
—
مرآةٌ لا تُجيد الانعكاس
أحببتُه كما تُحبّ الغيمةُ فكرة المطر،
لا لتُمطر، بل لتظلّ معلّقةً بين الرجاء والانطفاء.
كان يمرّ بي كمن يُعيد ترتيب الهواء،
يُقصي ملامحي كي لا تُربك هندسة غروره،
ويُعيد تشكيل وجهي ليُشبه صدى صوته.
كلّما اقتربتُ،
تقلّصتُ في عينيه،
كنصٍّ زائد لا يحتمل الزخرفة،
كأنّني ظلٌّ يُربك الضوء.
كان يُحبّني حين أُذيبُ ذاتي في كأسه،
وحين أُخفي وجعي خلف ابتسامةٍ تُرضي مزاجه،
وحين أُصفّق للفراغ الذي يُسمّيه مجدًا.
أنا التي كتبتُه على جلد الغياب،
فمزّقني لأنّ الحروف لم تُسبّح باسمه.
أنا التي خفّفتُ عن وجعه،
فأثقلني بصمته،
وأوجعني حين رأى في وقوفي تهديدًا لانكساره.
أطفأتُ ناري كي لا يُحترق،
فأطفأني لأنّ وهجي لا يصدر عنه.
أحببتُه بصدق،
فأحبّ نفسه فيّ،
ثمّ كرهني حين رأى ملامحي لا تُشبهه.
لكنّي أنثى لا تُروّضها المرايا،
ولا تُقاس بجوعٍ للمديح.
أنا التي تكتب وجعها على صفحة القمر،
وتُزيّن جراحها بالياسمين،
وتُعلن انتماءها للضوء،
ولو من خلف ستارٍ من الرماد.
أنا التي لا تُشفى بالاعتذار،
ولا تُنسى حين تُغادر.
أنا التي تُحبّ بصدق،
وتغادر حين يُطلب منها أن تُنكر ذاتها.
أنا التي كتبتُه وجعًا لا يُغتفر،
لعنةً لا تُستعاد،
قصيدةً لا تُقرأ مرتين.
—
غرفةٌ لا تُطلّ على أحد
أنا هنا،
في الغرفة التي كنتُ أُسمّيها حبًّا،
أُعيد ترتيب الغياب،
وأكنس آثار قدميك عن سجادة القلب.
لا أحد يسمعني،
ولا حاجة لي بالصوت،
أُحادثني
كما تُحادث الغيمةُ نفسها قبل أن تمطر.
أتذكّرني
حين كنتُ أُضيء لك الطريق،
وأُطفئ ناري كي لا تُحترق،
وأُعيد تشكيل وجهي ليُناسب مزاجك.
كنتُ أظنّني أحبّ،
لكنّي كنتُ أُذيبني في كأسك،
وأُصفّق لفراغك،
وأُبرّر لك خنقي كأنّه عناق.
الآن،
أُعيد لي اسمي،
وأغسل وجهي من ملامحك،
وأُعلّق على جدار الذاكرة لوحةً لا تُشبهك.
أنا التي لا تُشبه أحدًا،
ولا تُعاد تشكيلها كلّما ضاق بكَ المعنى.
أنا التي حين تُخذل،
تكتب،
وحين تُنسى،
تزهر.
—-
جئتَ متأخرًا،
كأنّك تحاول جمع الضوء من رماد الغروب،
كأنّك تُعيد ترتيب الحكاية
بعد أن غادرت الكلماتُ دفاترها،
وبعد أن نسي القلبُ كيف يُفتح.
الحبلُ الأول أفلت،
لا لأنّه انقطع،
بل لأنّ اليدَ التي كانت تُمسكه
تعلّمت أن لا تتشبّث بما يُوجع.
ما تحاول أن تُرمّمه،
لم يعد يخصّك،
ولا يخصّني،
هو ظلٌّ منّي،
أحرقتهُ يدُ الغياب،
وسقاهُ وجعٌ لا يُغتفر.
أنا الآن أنتمي إلى ما بعدك،
إلى ما لا يُقال،
إلى ما لا يُعاد،
إلى قلبٍ لا يُجيد الولادة مرتين،
ولا يترك مكانًا لحبٍّ جديد.
لا أُعاتبك،
ولا أُرحّب بك،
أنا فقط أُشير إلى الباب،
لا لتدخل،
بل لتفهم أنّ الحكاية انتهت
قبل أن تبدأ.
—
نجمات الليل، بناتي
قالوا إنها لم تُرزق إلا بالبنات،
وصموها بالضعف،
كأن الأنوثة عيب،
كأن النجمات لا تضيء السماء،
لكنهم لم يروا ما أراه،
لم يعرفوا أنني أملك مجرّةً كاملة،
تدور حول قلبي،
وتنير لي الطريق حين يخذلني العالم.
بناتي،
هنّ نجمات الليل،
كلّ واحدةٍ منهنّ قنديلٌ صغير،
يضيء زاويةً من روحي،
ويعلّمني كيف أكون أمًّا،
وكيف أكون امرأةً لا تُهزم.
هنّ سمائي،
أرفع رأسي فأراهنّ،
يتلألأن فوقي،
دعواتٌي التي استُجيبت،
قصائدٌ كُتبت من نورٍ وحنان.
أملك امتدادًا أنثويًا يشبهني،
يشبه حزني النبيل،
ويشبه لهفتي للحياة،
ويشبه حلمي الذي لا ينام.
عشقي لهنّ ليس عاديًا،
هو عشقٌ يكتمل حين يضحكن،
حين يمرضن فأحرس نومهنّ كجنديٍّ لا ينام،
حين يكبرن فأرى فيهنّ وجهي،
وصوتي،
وكلّ ما تمنّيت أن أكون.
هنّ بناتي،
لكنهنّ أيضًا صديقاتي،
ومراياي،
وأجنحتي التي أطير بها حين أضعف،
وأمومتي التي لا تكتمل الا بهنّ،
وحياتي التي لا تُرى إلا من خلالهنّ.
فليقولوا ما يشاؤون،
أنا أنثى،
رزقت بنجمات،
وكتبت بهنّ قصيدةً لا تنتهي،
ولا تنطفئ.
—
✦ الفصل الثالث: قلب الوطن أنثى
5. جميلات الكرد، وطنٌ يمشي على سواعدهن الوطن؟
ليس خريطةً معلّقة،
بل قلبٌ ينبض في صدور النساء،
في خطواتهن التي لا تعرف التراجع،
في أعينهن التي ترى الحلم رغم الرماد.
هنّ عاشقات الحب،
يخبئن القصائد في جدائل الشعر،
ويكتبن الحياة على أطراف الخوف،
كأنهن خُلقن من نارٍ وندى،
من وجعٍ لا يُهزم،
ومن حنانٍ لا يُقاس.
لبوات القتال،
حين يشتدّ الليل،
يصبحن السيف والظلّ،
يحمين الأرض كما يحمين أطفالهن،
يقاتلن بصدورٍ عارية،
وبإيمانٍ لا يُكسر.
أمهات السلام،
يخبزن الأمل في تنانير الطين،
ويغزلن الغد من خيوط الحكايات،
يعلّمن الورد كيف ينمو في الحصار،
ويعلّمن الرجال كيف يكون الصبر أنثى.
جميلات الكرد،
لا يشبهن أحدًا،
لأنهن يشبهن الوطن،
حين يكون الوطن امرأةً،
تزرع، وتقاتل، وتحبّ،
ثم تعود لتغني.
—
لكل أنثى،
لكِ أكتب، يا من تحملين في قلبكِ وطنًا، وفي عينيكِ حلمًا، وفي خطواتكِ معنى الحياة.
أنتِ قوية،
لا لأنكِ لا تنكسرين،
بل لأنكِ تنهضين كل مرةٍ من رمادكِ،
وتعيدين ترتيبكِ كما يليق بأنثى لا تُهزم.
أنتِ سعيدة،
لا لأن العالم يمنحكِ الفرح،
بل لأنكِ تصنعينه من تفاصيل صغيرة،
من ضحكةٍ في وجه التعب،
ومن وردةٍ تنبت في قلب الخوف.
أنتِ جميلة،
لا لأنكِ تُشبهين الصور،
بل لأنكِ تُشبهين نفسكِ،
بصدقكِ، بعفويتكِ،
بذلك الضوء الذي لا يُرى،
لكنّه يُحسّ.
أنتِ عاشقة،
للحب،
للحياة،
للحلم الذي لا يجيء،
لكنّكِ تسعين إليه كما تسعى النجمة إلى الفجر.
لكِ مني رسالة،
أنكِ كافية،
أنكِ تستحقين،
أنكِ حين تحبين،
تُعيدين تعريف الحب،
وحين تحلمين،
تُعيدين بناء العالم.
كوني كما أنتِ،
ولا تعتذري عن نوركِ،
ولا تخجلي من لهفتكِ،
ولا تنكري وجعكِ،
فأنتِ أنثى،
وهذا وحده يكفي ليكون العالم أجمل.
هذه القصائد ليست نهاية، بل بدايةٌ جديدة،
لأنكِ كلّما كتبتِ،
أعدتِ تعريف نفسكِ،
وكلّما حلمتِ،
أعدتِ بناء العالم على طريقتكِ.
مرآةٌ لا تُجيدُ النسيان
أطيلُ الوقوفَ أمامَ المرايا،
كأنّي أُعيدُ ارتداءَ البقايا،
تُراودني الذكرى، تسري ببطءٍ،
وتوقظُ فيّ احتراقَ الحنايا.
تُحدّقُ فيّ، ولا تستحيي،
تُعرّي خيالي، وتكشفُ وجعي،
وفي مقلتيّ ارتجافُ الليالي،
وفي وجنتيّ انطفاءُ الضياءِ.
تقاسيمُ وجهي حكايا قديمهْ،
وشبّاكُ وقتٍ يُخبّئُ يديهِ،
أُصارعُني، والمرآةُ تشهَدْ،
على أنني لم أزل في انتظاري.
شغافُ الهوى في ملامحِ وجهي،
وفي كلّ نبضٍ، وفي كلّ جاري،
أُخبّئُ شغفي، وأكتمُ وجعي،
وأحيا على هامشِ الانكسار.
