صعود اليمين الشعبوي في هولندا || هل تنجح “عزلة الكارتل” في احتواء “المد الفيلدرزي”؟

خاص | مدار 24

تستمر التطورات السياسية في هولندا في رسم مشهد انتخابي غير مسبوق، حيث يتربع حزب الحرية (PVV) بزعامة خيرت فيلدرز على عرش مؤشرات الاستطلاعات بفارق كبير. ووفقاً لأحدث مؤشرات “بيلينغوايزر” (Peilingwijzer) – وهو المتوسط المرجح للاستطلاعات الرئيسية – فإن الحزب يحصد ما بين 31 إلى 35 مقعداً. هذه الأرقام ليست مجرد تفوق، بل هي تأكيد على أن الانتقادات الحادة والضغوط الإعلامية لم تفلح بعد في وقف المد الشعبي الذي يقوده الحزب اليميني المتطرف.

تراجع الأحزاب التقليدية وتكتل المصوتين

ما يلفت النظر في هذا الترتيب هو التدهور المستمر في قوة حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD)، الذي كان يوماً ما الحزب المهيمن في المشهد الحكومي. حصوله على ما بين 12 إلى 16 مقعداً يمثل انهياراً لقاعدة ناخبيه التاريخية، مشيراً إلى أن ناخبي اليمين التقليدي يتجهون بشكل متزايد نحو الخطاب الأشد والأكثر وضوحاً الذي يقدمه فيلدرز حول الهجرة والعبء التنظيمي (Regeldruk).

في المقابل، يتابع كل من حزب النداء الديمقراطي المسيحي (CDA) وتحالف اليسار الأخضر-العمل (GroenLinks-PvdA) في مراكز متأخرة. هذا الترتيب يبرهن على أن النوايا التصويتية تتركز بوضوح حول محورين رئيسيين: خطاب “بي في في” الشعبوي الواضح، وتكتل اليسار الوسط الذي يسعى لتقديم بديل اجتماعي واقتصادي.

معركة “الكارتل” والإعلام

إن قوة حزب “بي في في” الحالية لا تنفصل عن الجدل القائم حول دور “الكارتل”، وهو المصطلح الذي يستخدمه معارضو الأحزاب التقليدية لوصف المؤسسة السياسية والإعلامية التي يزعمون أنها تتفق على معارضة اليمين الشعبوي.

عندما يتم تسمية وسائل إعلام كبرى مثل “فولكسكرانت” و”إن آر سي”، والشبكة العامة “إن بي أو”، بأنها “ممهدة لنبرة نقدية” تجاه فيلدرز، فإن هذا يعكس استراتيجية واضحة من قبل اليمين الشعبوي: تأطير الانتقادات بأنها صادرة من “نخبة معزولة” لا تمثل المواطن العادي. هذه الاستراتيجية غالباً ما تكون فعالة؛ فكلما زادت حدة الهجوم من المؤسسة الإعلامية، زاد شعور الناخبين المؤيدين لفيلدرز بأنهم يناصرون حزباً “خارجياً” يحارب نيابة عنهم.

هل يستقر المد؟

يظل التحدي الأكبر هو استقرار هذا النمط حتى يوم الاقتراع. مؤشر “بيلينغوايزر” هو “لقطة لحظية” للرأي العام. ومع ذلك، فإن الهامش الكبير الذي يحظى به حزب “بي في في” يشير إلى أن الديناميكية الانتخابية الحالية ليست مجرد احتجاج عابر، بل هي تحول بنيوي في الوعي السياسي الهولندي.

إذا استمرت الأحزاب التقليدية في التركيز على مناقشة “خطر اليمين”، دون تقديم حلول ملموسة ومقنعة لقضايا القوة الشرائية وإدارة الهجرة، فإنها تخاطر بتأكيد رسالة فيلدرز: “إنهم مشغولون بالخوف منا، بينما نحن مشغولون بحل مشكلاتكم”.

في النهاية، لا يتعلق الأمر بأرقام استطلاعات الرأي فحسب، بل يتعلق بمعركة السرديات. وإلى أن تنجح “المؤسسة” في تقديم سردية بديلة ومقنعة تتجاوز مجرد نقد الشعبوية، فإن المد “الفيْلدرزي” مرشح للبقاء، وربما للتعاظم، في قلب السياسة الهولندية.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.