كذبة الخوارزميات : كيف يكسر الذكاء الاصطناعي العهد المقدس للصورة

كتبه : أمين شيرازيان

لطالما كانت الصورة الفوتوغرافية، في جوهرها، عقدًا مقدسًا: وعداً بأن ما نراه قد حدث حقاً. لقد كانت وثيقة، دليلاً غير قابل للتفاوض على الواقع، قادرة على تغيير مسار التاريخ. لكننا نعيش اليوم في زمن ينهار فيه هذا العهد، مما يهدد أسس الحقيقة المشتركة في مجتمعنا.

 

الهاجس بشأن التلاعب بالصور ليس وليد اليوم؛ فقد أشار النقاد إلى هذا التهديد منذ عقود، حتى قبل أن يصبح برنامج “فوتوشوب” اسماً مألوفاً. لكن ما نواجهه اليوم بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد مستوى جديد من التلاعب، بل هو قفزة نوعية نحو إنكار الواقع. في الماضي، كان اكتشاف التزوير يتطلب مهارة، واليوم، يمكن للخوارزميات أن تولد صوراً “صادقة كاذبة” بكبسة زر، أو أن تعدل الأدلة الفوتوغرافية القديمة دون ترك أي أثر واضح. أصبحت الصورة، بكل بساطة، مجرد “وهم رقمي” عابر.

 

تكمن الكارثة هنا في أن هذا التآكل للثقة لا يقتصر على صور المشاهير؛ بل يمتد إلى قلب النزاهة الصحفية والعملية الديمقراطية. إذا أصبحنا غير قادرين على التمييز بين لقطة حقيقية من ساحة المعركة و”صورة مصنّعة” بالكامل، فكيف يمكننا كمواطنين أن نتخذ قراراتنا بناءً على حقائق مشتركة؟

 

إن المعركة ضد “الكذبة الخوارزمية” ليست معركة فنية؛ إنها معركة أخلاقية وجودية. لا يمكننا أن نسمح بأن تتحول الصورة من شاهد إلى متهم. يتعين علينا أن نتبنى بشكل إلزامي تقنيات الشفافية، وأن نضع درعاً مضاداً للتزييف في صميم كل صورة. يجب أن يظل الملف الأصلي (RAW)، غير المعدل، هو المعيار الذهبي للصحافة، ويجب أن تكون المؤسسات الإعلامية ملزمة بتقديم إثبات بأن الصورة لم تخضع لمعالجة جوهرية. والأهم، يجب تطوير أنظمة ذكية لوضع علامات مائية رقمية غير قابلة للإزالة ودمج بيانات وصفية قوية تخبرنا أين ومتى تم التقاط الصورة، وعبر أي جهاز.

 

إن لم نفعل ذلك، فإننا نغادر العصر الذي كانت فيه الصورة تمتلك قوة التغيير الإنساني. إن الالتزام بالشفافية ليس مجرد إجراء فني، بل هو آخر محاولة للدفاع عن الواقع المشترك قبل أن يبتلعنا بحر الصور الزائفة الذي لا نهاية له.

 

مقالات قد تعجبك
3 Comments
  1. جميلة خالد علق

    المقال يسلط الضوء على أزمة الثقة في الصور الفوتوغرافية في عصر الذكاء الاصطناعي. يجب علينا أن نكون حذرين وواعين للتلاعب الذي قد يهدد الحقائق.

  2. سارة كمال علق

    تتناول المقالة موضوعًا مهمًا حول تأثير التقنيات الحديثة على مفهوم الحقيقة. من الضروري أن نكون واعين لهذا التغيير ونبحث عن طرق للحفاظ على مصداقية الصور في عصرنا الحالي.

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.