شعراء البيرة وشعراء العَرَق || بقلم حسين علي يونس

خاص | مدار 24

▪️الجزء الأول

1

«الشعر ليس أدبًا، إنه عَدوى» —

هذه الجملة التي يفتتح بها العدد صفر، تعبّر بدقّة عن طبيعة الشعر وماهيّته وتلقّيه، وعن تطلعات الذين يكتبونه ويتتبعون منابعه وأنهاره ويؤمنون بأهميته في حياتهم . الشعر هو ان تتبنى إرادة شراسة لتمر كمكافح وسط العتمة والضباب

إنها جملة عِرَقية لا تنتمي إلى صنف البيرة، تُرسّخ وجهة النظر التي يطرحها صُنّاع العدد صفر

هذه الجملة ليست عابرة، إنها بيان شعري مكثّف، يختصر رؤيتهم للشعر وللحياة بوصفها شعرًا محضًا

ربما يكون هذا البيان أصغر بيان شعري كُتب على الإطلاق في تاريخ البيانات الأدبية .

” الشعر عدوى» — نعم، لا شك في ذلك؛ فهذه المقولة تكاد أن تكون بديهية في ثقافة الشعوب كلها، المتقدمة منها والمتأخرة

الشعر أمثولة شعبية تصيب الشعوب التي تحيا تحت الشمس .

هو ملك للجميع، لا لأحدٍ بعينه ، الشعر ينتشر و يتجول بين الناس في لون الملابس المبهجة واشعة الشمس الفضية وفي الأرصفة والاغاني الشعبية وفي خبز أمي مذهب الحواشي الذي يتناثر منه الرماد

ينتشر كالماء والهواء،

يمكنك أن تختار منه ما تشاء، يمكنك

أن تكتبه بالطريقة التي تناسبك،

وبالقوالب التي تشبه ثقافتك

الشعر ممتدّ، وماهيّته تعمل في الأساسات، في العمق،

حيث يتجذر الوجع وتطفح السعادات لتبحر في قوارب الكآبة والفرح معًا ، بين نعم صغيرة ولا كبيرة قد تغير وجه العالم .

 

2

حين قرأت لوثة، كانت نيّتي أن أكتب جملة أو جملتين، من باب المشايعة للشعراء الشباب الذين يدافعون عن أنفسهم من خلال الشعر، بوصفه معادلًا موضوعيًّا للحياة بكل منعرجاتها الضيقة والمتسعة الصغيرة والكبيرة ، الهامشية والتي تنام في المتن

لكنني غيّرت رأيي عندما أكملت قراءة المجلة الفقيرة بطباعتها، الغنية بردود فعلها و بروحها المشحونة بالرومانسية الثورية تلك التي غيرت حياتنا ذات يوم ف

قلت في نفسي: سأكتب عن المجلة وعن شعرائها الذين يكتبون شعراً راديكاليًا، حادًا في سلوكه، حيًّا في بنائه ودلالته

ربما يكون هذه المجلة أول مجلة عراقية أقرأها منذ عشرين سنة،

بسبب نزاهتها وجرأتها في القول دون مواربة

اعترف أنني هجرت الدوريات العراقية البائسة منذ زمن بعيد،

لكن هذه الدورية منحتني سببًا كافيًا لتغيير موقفي،

فقد أزال هؤلاء الشباب غبار العادات، وكشفوا النقاب عن الطرق الميتة في صحفنا ومجلاتنا التي لا يقرؤها أحد،

والتي تُصرف عليها ملايين الدولارات عبثًا .

 

3

جمال منجرح وذات مهيّأة للغرق يحتطبان في غابة الشعر

الشعراء الجدد يخلقون صراعهم مع مناوئيهم من خلال أثر نصوصهم،

لذلك لا تعنيهم كثيرًا اشتراطات الجمال التقليدية

إنهم يبحثون عن شيء آخر من خلال ذواتهم المنجرحة المهيأة للغرق التي تحتبط في غابة الشعر ، لهذا

يكتبون بشكل ثوريّ،

ليمسون عبر هذه الطريقة روح الشعر النائمة في عيني قِطٍّ أسود يسكن موقدًا في ليلة مظلمة،

وتتوهج عيناه بالدفء تعبرا عن الخسارات .

إنهم يتبنون وجهين — وجهًا شعريًا وآخر لا شعريًا يحمل الحياة . —

يتركون حبلهم على القارب، لأن عملهم يهتم بمقاصد الوجود التي تتشكل منها دعامة حياة الكائن الذي يقطن الأرض ويعاني و في دواخله الغاضبة تتكسر المأساة .

حين يكتبون عن الآخر، يكتبون لتدميره، خصوصًا إذا كان الآخر مرائيًا،

يمشي في ظل العربة ويعيش على فتات ما يترك له تحت الضوء؛

إنهم يطرحونه كشيء زائد و يجب دحرجته في الحفرة التي تنتظره .

الانفعال الناتج عن الحماسة ، يجعلهم

يتجاوزن العقبات والانطلاق ، بحرية مطلقة

هم يريدون كسرالقواعد التي تجر الى خنق الصوت

لا يحترمون المؤسسة الرسمية ولا التجمعات الأدبية المكرّسة للتقاليد والقيم

ليس من هوايتهم طرق الأبواب أو تلقي صكوك الدعم من أحد،

كما كان يفعل كل من سبقهم،

خصوصًا تلك التكتلات الشبابية التي نشأت بعد سقوط النظام الدكتاتوري المدوي،

وما صاحبه من كوارث إنسانية وثقافية وبيئية أثبتت هشاشتها ومحدوديتها .

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.