في بلادٍ تُكافح لإرساء دعائم القانون، يبرز شعار “خلو يكمل” (اتركوه يكمل) ليس كدعوة للاستقرار السياسي، بل كصيغة “عشائرية” مغلفة بلبوس الدولة. هذا الشعار، في جوهره، يضرب عرض الحائط بمفهوم التداول السلمي للسلطة والمحاسبة الديمقراطية، محولاً منصب رئيس الوزراء من “وظيفة عامة” تخضع للتقييم، إلى “مشيخة” محمية بالولاءات الضيقة.
إن عقلية “خلوه يكمل” تعكس خللاً بنيوياً في وعي المواطنة؛ فهي تفترض أن البقاء في المنصب مكرمة أو استحقاق شخصي، وليس عقداً قانونياً مرتبطاً بالإنجاز. هؤلاء الذين يروجون لهذا الفكر يحتاجون، أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة تأهيل مدني وسياسي لإدراك أن الديمقراطية لا تُبنى بالتمسك بالأشخاص، بل بحماية المؤسسات من التغول الشخصي والعائلي.
ولا يمكننا قراءة هذا المشهد بمعزل عن سلوك السلطة نفسها. فرئيس الوزراء الحالي ليس مبرأً من استثمار هذه العقلية العشائرية وتوظيفها. لقد رأينا جميعاً كيف تحولت العاصمة بغداد، التي من المفترض أن تكون رمزاً للمدنية والقانون، إلى ساحة لـ “الهوسات” والتهديدات العشائرية التي أطلقها أبناء عشيرة الرئيس ضد منتقديه.
إن مواجهة المعارضة السياسية بـ “الديوان” و”المنسف” والتهديد القبلي، بدلاً من الحجة والبرنامج الحكومي، هو اعتراف صريح بهشاشة الدولة أمام سطوة القبيلة. عندما يلوح أنصار رئيس الوزراء بروابط الدم لإسكات صوت النقد، فإنهم يغتالون مفهوم “المواطن” ليحيوا مفهوم “التابع”.
إن إنقاذ العراق من هذا المنزلق يتطلب فك الارتباط بين “السلطة” و”العشيرة”. فالدولة التي تُدار بعقلية “خلو يكمل” خوفاً من سطوة العشيرة أو ولاءً لها، هي دولة ستبقى تراوح في مكانها، عاجزة عن إنتاج مواطن حر يعرف أن رئيس الوزراء هو “خادم عام” يمكن تغييره، وليس “شيخاً” لا يجوز الخروج على إرادته.
