الكويت.. قرار سحب الجنسية: ضربة قاصمة للقيم الحداثية في البلاد

 

محمد الأمين الكرخي

شاعر عراقي فارسي

لا يزال قرار سحب الجنسية الكويتية عن عدد من رموز الأدب والفن يثير موجة من الغضب والاستياء في الأوساط الثقافية والفكرية العربية. هذا القرار الجائر، الذي يتجاوز كل المعايير الإنسانية والقانونية، يكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الكويت على صعيد الهوية الوطنية والقيم الديمقراطية.

ما يثير الدهشة في هذا القرار هو أنه لا يقتصر على سحب الجنسية عن الأفراد المستهدفين، بل يشمل أيضاً عائلاتهم وذويهم، الأمر الذي يعني حرمان أجيال كاملة من حقوقهم الأساسية ككويتيين. فكيف يمكن تبرير حرمان مواطنين عاشوا في هذا البلد لعقود، وتأثروا بثقافته وتراثه، من انتمائهم إليه؟
إن هذا القرار يعكس بوضوح تراجع الكويت عن مسارها نحو الحداثة والديمقراطية، وعودتها إلى منطق العشائرية والقبلية. ففي حين تسعى دول العالم المتقدم إلى جذب الكفاءات وتبني سياسات تمنح الجنسية للأجانب بعد فترة إقامة قصيرة، نجد أن الكويت تسلك طريقاً عكسياً تماماً، حيث تسحب الجنسية من مواطنيها الأصليين.
إن هذا القرار يذكرنا بأسوأ الممارسات التي شهدتها المنطقة، مثل قرارات النظام البعثي في العراق بسحب الجنسية عن عشرات الآلاف من المواطنين، العراقيين المتحدرين من أصول فارسية وأكراد فيلية، وتهجيرهم لاحقا بعد مصادرة ممتلكاتهم واعتقال ابنائهم ومن ثم إعدامهم. كما أنه يثير شبح العنصرية والتمييز، وهو ما يتعارض تماماً مع المبادئ الإنسانية.
إن سحب الجنسية عن رموز الأدب والفن في الكويت ليس مجرد قرار إداري، بل هو اعتداء صارخ على الحريات الفردية وعلى الحقوق الثقافية. إنه ضربة موجعة للنسيج الاجتماعي الكويتي، ويشكل تهديداً مستقبلاً لوحدة البلاد.
على النخب الثقافية أن تدعو الحكومة الكويتية إلى إعادة النظر في هذا القرار الجائر، وإلغائه فوراً. كما ان المجتمع المدني والقوى السياسية مطالبة ب التحرك للدفاع عن حقوق المواطنين، وحماية المكتسبات التي تحققت على صعيد الحريات والديمقراطية.
لا شك في أن قرار سحب الجنسية عن فئة من الأدباء والفنانين الكويتيين قد أثار جدلاً واسعاً، وفتح الباب لتساؤلات حول طبيعة العلاقة بين السلطة والإبداع، وحقوق الفنان والمبدع في مجتمعاتنا العربية. هذا القرار، وإن جاء في سياق محلي، إلا أنه يعكس ظاهرة أوسع نطاقاً تتعلق بمحاولات تقييد الحريات الفكرية والإبداعية،
إن هذه الحوادث المؤسفة تؤكد أن العداء للإبداع ليس وليد اليوم، بل هو جزء من تاريخنا المعاصر، وأن هناك قوى تعمل باستمرار على تكميم الأفواه، وخنق الحريات، وإسكات الأصوات المعارضة. فالإبداع الحقيقي يشكل دائماً تهديداً على الأنظمة الاستبدادية، لأنه يكشف زيف الأقنعة، ويكشف عن الحقائق، ويدعو إلى التغيير.
إننا بحاجة إلى إعادة النظر في علاقتنا بالإبداع والمبدعين، وضرورة توفير بيئة حاضنة للإبداع، تحترم الحريات الفردية، وتشجع على التنوع والتعددية. فالمبدعون هم ثروة أي أمة، وهم الذين يحافظون على هويتها وذاكرتها.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.