الجامعات الأهلية في العراق

بين استعراض العلم والمظاهر الخداعة

كتبه | محمد الحسين _ العراق

شاهدنا قبل ايام قيام أحد الطلبة (ت 2005) في احدى الجامعات الأهلية في العراق باظهار مسدس وقيامه باطلاق النار مما اصاب بعض افراد الأمن والطلبة بجروح خطيرة، واحدث فوضى كبيرة أدخلت الهلع في الحرم الجامعي، وقد هزت هذه الحادثة هيئة التعليم العالي في العراقي واصبحت حديث الساعة.

بالرغم من أن الجامعات الأهلية هي صروح علمية، تابعة لوزارة التعليم العالي وتحكمها ضوابط وقوانين علمية وتنظيمية دولية، حتى لو كانت بيد مستثمرين أهليين الا انها تبقى تمثل مؤسسات الدولة التعليمية.

تسعى الجامعات الأهلية إلى تحقيق التميز والرقي في اهدافها، والتطور العلمي والمعرفي والتقني على حساب التفوق الأكاديمي على مستوى الجامعات الحكومية، إذا اعتبرنا أن هذا يمثل نموذجا لمنهاجها، غير ان ما نشهده في ربوع الجامعات الأهلية في العراق غير ذلك تماما ولا يعكس لنا اي جانب من جوانب التطور والرقي.

في الاونة الأخيرة شاهدنا زيادة في عدد الجامعات الأهلية، او نفوق كبير في التخصصات العلمية والتقنية التي صارت تدرس دون استثناء لخطورة أو صعوبة بعض تلك التخصصات، حيث ان وزارة التعليم العالي اعترفت بالجامعات والكليات الاهلية ووافقت على تدشين كافة الاختصاصات دون ضرورة تحقيق الجودة العلمية المطلوبة.

وشكل هذا الامر تهديدا على مشروع الدولة على المستوى البعيد، حيث سنجد اعداد هائلة في الخريجين ليس في استطاعة القطاع العام استيعابه، كما ليس في قدرة القطاع الخاص استقطابه.

واذا غضينا النظر عن مشاكل العراق الأخرى في جميع المجالات الخدمية، فإننا نجد ان مشكلة التعليم اليوم هي الأكثر خطورة، على اعتبار أن ذلك سيؤثر على مستقبل اجيال كاملة، وليست الجامعات الأهلية الا جزء كبير من هذه المشكلة.

ان من الملفت للنظر في حال الجامعات الأهلية في العراق هو انها اصبحت في الآونة الأخيرة ساحة لاستعراض المظاهر الخداعة، وبيئة لافرازات القيم العنصرية والطبقية، والتميزات الشخصية، هذا بدلا من ان تكون فرصة لاستعراض العلم والمعرفة، وبدلا من ان تكون بيئة محفزة لتقويم السلوك الاجتماعي لدى الطلبة.

لقد اصبح هم الطالب الوحيد هو الحصول على الشهادة الجامعية دون أن يقدم مجهودا في المذاكرة، لأنه طالما يقدم لهم المال فهذا يعني انهم ملزمون بنجاحه في الاختبارات، وتهتم ادارات الجامعات على مستوى الطالب من حيث تقديم الاقساط بدلا من ضرورة الحضور والمواظبة على الدوام، فمن النادر ان نسمع ان طالبا في جامعة اهلية رسب بسبب الغياب، او بسبب ضعف مستواه الدراسي، انه يرسب فقط عند عدم دفعه الكامل للأقساط، او تأخره بدفعها.

اصبح الطالب في الجامعات الأهلية يهتم وبشكل مبالغ فيه بمظهره الخارجي، وملابسه الانيقة، وسيارته الفارهة اكثر من اي شيء اخر، ويحسب ان أروقة الجامعة قد اسست وصممت له لغرض التقاط الصور، او لاستعراض “الاوتفت” كما اشتهر ذلك اخيرا بين الشباب. يتعلق الامر اذن بجودة “الأوتفت” ومدى مقبوليته بتنسيقاته والوانه لما يناسب موظة العصر الحديث، اكثر مما يتعلق بمدى قدرة الطالب على اداءه في الاختبارات.

نجد اليوم أن وزارة التعليم العالي ملزمة في أن تقوم بدراسة ذات جدوى لوضع الجامعات الأهلية وتحديد المعايير المطلوبة للقبول والتخريج، والنظر إلى الطلبة على أساس تفوقهم ومستواهم الدراسي وليس على إي خيارات اخرى، مع متابعة سير التدريس فيها للتخصصات العلمية والإنسانية بما يتناسب ويواكب التعليم الجامعي الحديث في الدول الاخرى.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.