المثقف والتلفزيون || أتحدثُ إليكَ كم تدفع لي؟

مقال : طالب عبد العزيز / مدار 24

في بلاد سمتها الارتجال، وبلا تشريعات حقيقية، قوانين رادعة لن يسلم أحدُ مواطنيها، كبير أو صغير من الامتهان! ولعل العمل في الإعلام وتعامل القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو وبعض الصحف مع المتحدثين من مفكرين وأدباء وفنانين وسواهم يكشف لنا واقع القضية بوضوح، إذْ أنَّ معظم الجهات تلك تعتقد بأنها تتفضل على من تلتقيه بظهوره على شاشتها أو جلوسه أمام ميكرفوناتها، في فهم سطحي ومتخلف، لا ينعم عن أدنى درجات فهم العمل الإعلامي وقواعده وموجباته.

لا يريد المتحدثُ الواقع ضمن الصفات المعرفية تلك (مفكر، أديب، فنان،) تعريفاً به، ولا يبتغي وجاهةً، فهو وبحكم اختياره للحديث في المحطة هذه أو تلك ليس نكرةً!، وما هو بصاحب مشروع سياسيٍّ، يروم تسويق برنامجه، ولا رجل دين يبتغي الآخرة والجنة في حديثه ومواعظه، إنما هو شخصية عامّة، اجتهدت، وتعلّمت، وكانت على الصورة التي هي عليها، لذا فهو يمنح الجهة الإعلامية شرفاً بظهوره عليها، ويضيف لها من معارفه وخبرته ما يعوزها وينقصها، وهو المُتَفَضِلُ لا المتَفَضَلُ عليه، بل وبين الجهات الاعلامية من تتنافس وتفتخر بلقائه والحديث معه، هذا فضلاً على أنه يشغل للقناة ساعةَ بثٍّ تلفزيونية، تقل أو تزيد، ناهيك عن تجشمه عناء الذهاب والعودة من والى القناة.

في حلقة شهيرة استضافت سمر يسري الفنان محمود حميدة، وواجهته بـ مطالبه المادية المبالغ فيها مقابل الظهور في البرامج، فأجابها محتدا على السؤال “أنا أبويا مصرفش عليّه وعلمني علشان أجي أقعد معاكي هنا ببلاش”. من هذا المنطلق بات أصحاب الخبرة والمعلومات من المصادر الصحفية لا يتنازلون عن الظهور بمقابل مادي، حيث يزيد تمسك المصدر أو الضيف بهذا المبدأ، كلما كان مطلوبا أكثر لدى البرامج.

ومعلوم أن مبلغ مائة دولار تدفع للباحث والخبير الملم بمعلومات كافية حول أمر ما، مقابل الظهور لمدة ساعة، على شاشة قناة سكاي نيوز الإخبارية، وهي قناة ذات طابع ومحتوى مميز تهتم ببث المعلومات من مصادرها الحقيقية والتعليق عليها من خبراء لهم حيثية أكاديمية وثقة. ومثلها كانت بعض برامج (التوك شو) في مصر تعطي الضيف بعد انتهاء الحلقة والتصوير مظروفاً يحتوي على أسطوانة مدمجة، مسجل عليها الحلقة، مع شهادة شكر، إضافة إلى مبلغ 500 جنيه مصري.

  تدفع العديد من القنوات العراقية والعربية المبالغ الخيالية الى الفاشينستات، صاحبات المحتوى الهابط، الشريفات منهن وغير الشريفات، مقابل الظهور على شاشاتها، ويدفع مديرو القنوات الملايين مقابل ليلة حمراء مع هذه وتلك منهن، لكنه لا يدفع 100 دولار لأيِّ مثقف أو مفكر أو أديب يظهر على شاشته بالوقار والاحترام المعهود. تتحدث الصحف العربية عن نصف مليون دولار أي ما يعادل 9 ملايين جنيه مصري طالبت بـ تقاضيهم إحدى الفنانات اللبنانيات نظير الظهور لمدة ساعة فقط على شاشة قناة مصرية.

وتناولت مواقع فنية في مصر كثيرا المبالغ التي يتقاضاها الفنانون، حيث جاء أبرزها الفنان الهندي شاروخان، الذي وافق على الظهور، مع رامز بمقابل مادي قدره 400 ألف دولار بعد أن طلب 450 ألف دولار. وحصل الفنان الجزائري الشاب خالد على 200 ألف دولار، بعدما طلب 250 ألف دولار وخُفض إلى هذا المبلغ، وظهر وائل كفوري مقابل 150 ألف دولار، وحصلت الفنانة فيفي عبده على أجر 400 ألف جنيه مصري. أما الزعيم عادل إمام فقد أشارت تقارير إلى تقاضيه مبلغ مليون ونصف جنيه من أجل الظهور على شاشة MBC في برنامج “Yes, I’m famous”. وتقاضت الفنانة اللبنانية إليسا مبلغ 70 ألف دولار أمريكي، نظير الظهور في برنامج كل يوم الذي كان يقدمه الإعلامي عمرو أديب على قناة ONE قبل أن ينتقل إلى MBC مصر.

ضمن هذه التفاصيل سيكون من المعيب استغفال الشخصية العراقية، واستغلال خجلها وطيبتها من قبل الكثير من القنوات العراقية والعربية، التي تلتقي بعضهم. يسألني أحدُ الأصدقاء قائلاً:” كم تقاضيت مقابل ظهورك في البرنامج الفلاني على القناة الفلانية؟” فأجيب:” لا شيء”! بل: كنت قد ضيّفتُ فريق العمل، بما يليق بعراقي في تعامله مع ضيفه، فلم أبخل بمال ولا طعام ولا جهد، لكنهم، ولم يقدموا لي سوى كلمة شكراً!!

إذا كانت القنوات تلك تتعامل بهذه الدونية مع من تلتقيهم من مفكرين وأدباء وفنانين ومثقفين عراقيين فحريٌّ بهؤلاء الرفض أو التعامل معهم بما يتعامل بموجبه الاشقاء في مصر ولبنان والخليج، ذلك لأنَّ المتحدث العراقي لا يقل أهميةً عن أيِّ متحدث آخر، ولا تعوزه الخبرة، إذا لم يكن أعلمهم، هو طيبٌ نعم، ويحترم نفسه نعم، ويخجل نعم، لكنْ عليه أنْ يشترط الحديث مقابل المال، ولا يبخس حقَّ شخصه ومنزلته، ذلك لأنَّ احترامه لنفسه يقع ضمن الآلية هذه، لا غير.

*طالب عبد العزيز : كاتب وشاعر عراقي

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.