ما لا يُقال في السينما

مقال : علي بدر

في السينما، تتحول الملابس الحميمية  إلى رموز، ليست قيوداً فقط، إنما أسرار تنكشف ببطء. الاندر وير يخلع والمشهد يتحدث. السروال الصغير يخلع والقصة تبدأ. في فيلم “المتخرج” الذي أخرجه مايكل نيكولز ومثل بطولته داستن هوفمان وآن بنكروفت تخلع السيدة روبنسون سروالها بثقة، خطوة تلو الأخرى، وهي تعلم أن داستن هوفمان سيرتجف. تدور القصة حول بنجامين برادوك، شاب متخرج حديثًا من الجامعة، يعود إلى منزله في كاليفورنيا حيث يحتفل أهله بإنجازه الأكاديمي. يشعر بنجامين بالضياع والقلق بشأن مستقبله، لكنه يجد نفسه في علاقة غير متوقعة مع السيدة روبنسون، زوجة صديق والده، التي تغويه لتبدأ بينهما علاقة سرية. السروال الصغير هنا ليس مجرد قطعة، بل هو إعلان قوة، إعلان رغبة، إعلان تحدٍّ. حين يخلع، يتحول التوتر إلى فعل، ويتحول المشهد إلى ذاكرة سينمائية لا تُنسى.

حين يخلع السروال الصغير في فيلم التانغو الأخير في باريس  Last Tango in Paris، فإن الروح تخلع معه. ببساطة لأن مارلون براندو وماريا شنايدر لا يتحدثان، إنما الجسد هو الذي يتحدث. السراويل الداخلية هنا شاهِد على علاقة مشوهة، على شغف مليء بالضياع. حين يخلع، يصرخ المشهد بصمت، ويتركنا في مواجهة مرآة عارية.

أما في فيلم  Basic Instinct الغريزة الأساسية فإن السروال لا يخلع لأنه غير موجود بالمرة. أو أننا لا نراه، لا تبحث عنه الكامرا لأنها تعلم أنه غير موجود. السبب أن شارون ستون تريد أن تُجلس العالم كل العالم أمام قدميها، لتسحق كل سلطة ذكورية بنظرة واحدة وبحركة ساق واحدة. الكلسون الذي لا نراه يصبح أقوى من كل ما نراه. إنه الغياب الذي يملأ الشاشة، الغياب الذي يهيمن على كل شيء حاضر عداه.

ثم في فيلم الأزرق هو اللون الأكثر دفئاً الفيلم الذي اخرجه الفرنسي عبد اللطيف اكشيش، ومثلته أديل اكسار خوبلس، فهنا تقف أديل أمام ليا وتخلع بحب آخر قطعة، فالسروال الصغير هنا لا يعني القيد، بل يعني الحميمية. كل تفصيلة، كل حركة، كل لحظة خلع تكشف عن روح تبحث عن نفسها. إنه خلع الجدران، خلع الحدود، خلع كل شيء يعيق القلب عن أن يكون حرًا.

وفي فيلم الحالمون The Dreamers الفيلم الذي أخرجه برناردو برتولوتشي عن حياة الطالب الاميركي الذي يذهب الى باريس أثناء ثورة الطلاب في الستينيات، ويقع في غرام شابة هناك حيث يجد نفسه معها في حجرة واحدة في المبنى الجامعي وعلى صخب التظاهرات يرفع عينيه ليجد أن الكلسون يخلع بجرأة. الفيلم يظهر أن  باريس في الستينيات تجعل من الجسد يتحرر، والعقل يبحث عن ثورة. كانا يخلعان السراويل الصغيرة كأنهما يخلعان عبء العالم القديم. المشهد ليس عن الجسد فقط، بل عن الفكرة. الجسد يتحرر لأن الفكرة تتحرر.

في  الفيلم الشهير في الخيال العلمي تحت الجلد Under the Skin الذي أخرجه جونثان غزلر ومثلته سكارليت جوهانسون، هنا لا يخلع السروال ببطء إنما ببرود قاتل. تخلع سكارليت جوهانسون، الكائن الفضائي، قطعة بعد قطعة، لكنها لا تشعر بالدفء. ملابسها الداخلية هنا ليست عن الحميمية، بل عن الغربة. الكلسون الذي يخلع يقول لنا إن الجسد البشري ليس دائمًا منزلاً.

وفي فيلم حفل  الوحش Monster’s Ball  الفيلم درامي الذي أنتج في العام 2001، من إخراج مارك فورستر وبطولة هالي بيري وبيلي بوب ثورنتون. يُركز الفيلم على قصة حب معقدة وغير متوقعة تنشأ بين امرأة أمريكية من أصول أفريقية ورجل أبيض عنصري سابق، في ظل ماضٍ مليء بالمآسي الشخصية. حازت هالي بيري على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم، لتكون أول امرأة ذات أصول أفريقية تفوز بالجائزة. الكلسون يخلع كأنما يخلع معه الألم. هالي بيري لا تخلع جسدها فقط، بل تخلع أحزانها. الكلسون هنا يتحدث عن الفقد، عن الحزن، عن الحاجة إلى دفء إنساني وسط البرد العاطفي. حين يخلع، يصبح العناق أكثر وجعًا.

أما في فيلم “السكرتيرة الذي انتج في العام 2002. يسلط الفيلم الضوء على علاقة غير تقليدية تنشأ بين مدير وسكرتيرته في بيئة عمل مشحونة بالعواطف والسيطرة. حيث يعلن خلع السراويل عن إعلان خضوع واكتشاف ذات. العلاقة بين ماجي جيلنهال وجيمس سبادر ليست عادية. والملابس الداخلية هنا في الفيلم ليست فقط عن الجسد، بل عن السلطة. حين يخلع السروال يتحول الضعف إلى قوة، والعار إلى جمال.

في فيلم “الشبق” نيموفومانياك وهو فيلم تحليل نفسي من كتابة وإخراج لارس فون ترير. الفيلم يتناول موضوعات مثيرة للجدل تتعلق بالجنس، الهوية، والشعور بالذنب، ويُعتبر جزءًا من ثلاثية الاكتئاب للمخرج ذاته. يتناول الفيلم حالة نفسية تتسم برغبة جنسية مفرطة أو غير قابلة للإشباع لدى النساء، يروي الفيلم قصة جو (تؤدي دورها شارلوت غينسبورغ في النسخة البالغة وستايسي مارتن في النسخة الشابة، وهي امرأة تعاني من هوس جنسي. تبدأ القصة عندما يعثر عليها رجل مسن يُدعى سيليغمان (يؤدي دوره ستيلان سكارسغارد) مصابة في زقاق مظلم. هنا يكون خلع السراويل مرارًا وتكرارًا. كل خلع يحمل حكاية، كل قطعة تحمل سرًا. الفيلم لا يخجل من الجسد، بل يجعله لغة. الكلسون هنا يخلع لأنه ليس هنالك شيء آخر ليقال. حين يخلع، تكتمل الحكاية.

وأخيرًا في فيلم يقتلني بلطف وهو فيلم إثارة نفسية من بطولة هيذر غراهام وجوزيف فينس. يدور الفيلم حول علاقة رومانسية تنطوي على مخاطر وغموض، حيث يكون الشغف مسيطرًا لكنه يخبئ تهديدًا عميقًا. هناك في هذا الفيلم ذي الدلالة العاطفية Killing Me Softly، يخلع السروال برغبة غامضة. هيذر غراهام وجوزيف فينيس يبدآن قصة تبدأ بالحس وتتصاعد إلى الخطر. الكلسون هنا هو البداية. حين يخلع، نعلم أن القصة لن تكون كما كانت.

الملابس تخلع والمشهد يتحدث. الملابس تخلع والسر يُكشف. الملابس تخلع والعالم يكتشف نفسه من جديد. في السينما، كل خلع يحمل قصة، وكل قصة تحمل روحًا.

________________
* علي بدر : كاتب وروائي عراقي

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.