ما أجمل البدرَ كوفيًّا وحدَّثني
في لثمة الصبح بينَ الصرحِ والفننِ
وقد اعتقدتُ برؤيا الليل ما بَرُحت
منها الجفونُ بفرطِ الوهنِ والوسنِ
أبدى التحيةَ واجتاحت بشاشته
ملئَ العيون بذاك الناظِرِ الحَسِنِ
طَلَبَ الكلامَ، وهل لي لا أطاوِعُهُ؟
خُذ ما تشاءُ من العينَينِ والأُذُنِ
وبحقِّ حُسنِكَ ما أعطيتُها أحدًا
ولا أجودُ بها بخسًا بلا ثمنِ
هذا الفؤادُ وكم عانى بوحدتِهِ
ما عادَ من شجنٍ إلا على شجنِ
هاكَ الفؤاد نقيًّا ما بِهِ نُدَبٌ
مثلَ الغمامِ كأنَّ الحزنَ لم يَكُنِ
وَدَعِ الكلامَ حكايا دونما كللٍ
كطائر الهدهدِ الغاني على الغُصُنِ
أو كاليمام التي في خدرِ مسكنِها
تشدو الترانيمَ في سرٍّ وفي عَلَنِ
مَرَّ الزمانُ بذي اللقيا على مَهَلٍ
أرخِ الحديثَ معي يا مُوقِفَ الزَمَن
هذا الحديثُ إذا ما طال يمنحني
طعم الحياةِ كبثِّ الروحِ بالبَدَنِ
.
***
.
أُنبيكِ يا أرضَ الفُراتِ عِتابي
وأصد علَّكِ لا ترينَ خضابي
أنبيكِ يا أرضَ النخيلِ مواجعي
كي تمسحي بيَدِ الهوى أهدابي
أرض السوادِ وللسوادِ مآذنٌ
في خافقي يتبعنَ سيلَ قبابِ
من عَصرِ (نمرودٍ) بنيتُ مواجعي
وبعصرِ (هولاكو) نسجتُ ثيابي
لكنني نفّضتُ ما ملأ الجوى
من غابرِ الأزمان في جلبابي
ووأدتُ دمع العينِ خلفَ نَواعسي
وسَفَحتُ أحزاني وكأسَ شرابي
يا ملتقى الشطّين جئتُك ساعيًا
لأعيشَ حلمَ طفولتي وشبابي
ذاك الذي أفنيتُ فيه لياليًا
لأرى العراقَ حدائقًا وروابي
وتمرُّ أيامُ الشقاءِ تواليًا
فتزيح شكوانا كمَرِّ سحابِ
وغدًا سألثمُ بالبليغةِ مطمحي
فرحًة فيخلط بالرضابِ رضابي
_______________
* حسين الشرقي : شاعر من العراق
