أعلنت إدارة مهرجان هولندا للفنون عن نبأ الرحيل المفاجئ لبيير أودي، المدير الفني للمهرجان من عام 2005 إلى 2014م، وقد كان أودي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، صاحب رؤية فريدة، فناناً امتزج الفن بروحه حتى الثمالة، وفتح لنا من خلال فنه وخياراته نافذة واسعة نطل منها على العالم بألوانه المتعددة.
لقد كانت بصيرته الثاقبة في اكتشاف المواهب، وإبداعه الذي لا يضاهى، ونظرته الشاملة، وعشقه العميق لمهرجان هولندا للفنون، ذات قيمة لا تقدر بثمن. فخلال فترة إدارته، وسّع آفاق المهرجان الدولية، وجلب إلى أمستردام نخبة من الفنانين العالميين، وقدم أعمالاً ضخمة تركت بصمتها، وكل ذلك بـ “لمسة من العظمة” كما كان يصفها هو.
يكفي أن نستحضر العرض العالمي الأول لأوبرا “L’Amour de loin” لكايا ساريهاو بإخراج أودي نفسه، ومسرحية “Babel” لإلفيريدي يلينك التي قدمها مسرح بورغ فيينا، وأوبرا “Doctor Atomic” لجون آدامز بنص لبيتر سيلارز.
كما لا يغيب عن البال التعاون التاريخي بين بيير بوليه وباتريس شيرو في تقديم “من منزل الأموات” للمؤلف التشيكي ليوش ياناتشيك، وعرض روبرت ويلسون الأسطوري “The Life & Death of Marina Abramović”. وشهدت فترة إدارته تقديم تحفة هاندل “Orlando” بإخراج أودي نفسه وقيادة رينيه جايكوبس، وعرض “Refuse the Hour” لوليام كنتريج في عام 2012م.
لقد استقطب أودي إلى المهرجان قامات فنية أخرى تركت بصماتها، أمثال آلان بلاتيل، وكريستوف شلينغنزيف، وبوريس شارماتز، ووليام فورسايث، وسيمون ماكبرني، وديبورا وارنر، وإميليو غارسيا وهبي، وماريانو بينسوتي، وسليمان البسام، ووليد رعد، وبيتر شتاين (مع “الشياطين”)، وماثيو بارني، وأكرم خان، وجيروم بيل، وبيشيت كلونتشون.
وبإخلاص نادر، كان أودي يولي اهتماماً سنوياً لكبار المؤلفين الموسيقيين من طليعة القرن العشرين. ويكفي التذكير بالعرض الكامل لأعمال إدغار فاريس في قاعة غاشودر، والاحتفال بالذكرى السبعين لميلاد لويس أندريسن، وفعاليات نهاية الأسبوع المخصصة ليانيس زينakis، ولويجي نونو (بما في ذلك تحفته “Prometeo” في غاشودر)، وجون كيج.
لقد كان بيير أودي شخصية ملهمة في التعريف بالتعدد الثقافي والفني، وقد استطاع أن يقدم نماذج راقية من الثقافة الفنية العربية مثل زها حديد، وفيروز، وأم كلثوم.
بلغت رؤيته الإخراجية ذروتها وتحديها الأكبر في مهرجان عام 2019، مع عمله الضخم “aus LICHT”، وهو مشروع غير مسبوق استمر لثلاثة أيام استناداً إلى دورة أوبرا “LICHT” لكارلهاينز شتوكهاوزن. لقد كان الإنتاج الأضخم على الإطلاق في تاريخ مهرجان هولندا للفنون، وتم إنتاجه بالتعاون مع مؤسسة شتوكهاوزن للموسيقى، والمعهد الملكي للموسيقى في لاهاي، وبالطبع الأوبرا الوطنية الهولندية.
