يذكر أنه في عام 2005 بدأت الباحثة الكورية الجنوبية الأستاذة “كريمة كيم” المتخصّصة في الأدب العربي في جامعة هونغ كونغ للدراسات الأجنبية في العاصمة سيول بدأت رحلتها في ترجمة كتاب “المقدمة” لأبن خلدون، وذلك بدافع “الوفاء للقارئ الكوري” على حد تعبيرها، لنقل عمق فكر ابن خلدون إلى لغتها الأم. كما قالت إن الترجمة استغرقت جهد ست سنوات وهي فترة تفوق ما استغرقه المؤلف ذاته في كتابة عمله.
كما يذكر أن هذا العمل توّج سنة 2020م بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في تأكيد إضافي على قيمته الفكرية وجدارته بالانتشار العالمي، ومؤخراً احتضن مركز الفنون والثقافة والآداب بقصر السعيد، مساء الثلاثاء، مراسم تسليم جائزة ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية (دورة 2025)، حيث تُوجت الأكاديمية الكورية الجنوبية الأستاذة كريمـة كيم بجائزة “ابن خلدون العالمية” عن ترجمتها الكاملة لمؤلف “المقدمة” لابن خلدون إلى اللغة الكورية.
وهذه الجائزة التي ينظمها كرسي الإيسيسكو ابن خلدون مع جمعية “ميد 21″، تهدف إلى تكريم الأعمال الفكرية والبحثية التي تسهم في إشعاع الفكر العربي والإنساني. وقد أسندت لجنة التحكيم التي ترأسها المؤرخ عبد الحميد لرقش وضمّت الأستاذين لطيفة الأخضر وفوزي محفوظ، جائزتين إضافيتين الأولى هي “جائزة ابن خلدون للبحر المتوسط” وآلت للباحث الفرنسي ذو الأصول المغربية مهدي قويرقات، والثانية بعنوان “جائزة ابن خلدون لبلد الاستقبال” وتمّ إسنادها للباحث التونسي منصف محلة. كما تمّ خلال الحفل منح جائزتين تكريميتين بعد الوفاة لكل من الأستاذين التونسيين أحمد عبد السلام وأبو القاسم محمد كرّو، بحضور أفراد من عائلتيهما.
وخلال كلمتها في الحفل، أكدت “كيم” أن “كتاب المقدمة ليس مجرد كتاب في التاريخ وإنما هي مشروع فكري شامل لفهم العمران البشري والتحولات المجتمعية”. وأضافت أن فكر ابن خلدون “يتجاوز الزمان والمكان ويظل صالحا لتحليل القضايا المعاصرة ما يجعله مفكرا معاصرا في عيون كثير من الكوريين اليوم”.
وأشارت إلى التحديات التي واجهتها في ترجمة النص من حيث اللغة والمصطلحات وبنية الجمل الطويلة والأسماء التاريخية والسياقات الثقافية، مشددة على حرصها على التوفيق بين الأمانة للنص الأصلي ووضوح المعنى لدى القارئ الكوري.

وكريمة كيم هي أستاذة متخصّصة في الأدب العربي في جامعة هونغ كونغ للدراسات الأجنبية في سيول، ومتخصصة أيضا في أدب المقامة والأدب العربي المعاصر في المهجر. وقد أنجزت أطروحتها لنيل الدكتوراه حول أعمال الجاحظ لا سيما مؤلفه “البخلاء”.
وأعربت الباحثة عن أملها في أن تمثل هذه الترجمة خطوة نحو حوار دائم بين الشرق والغرب وبين اللغات والثقافات، مؤكدة أن “الترجمة تتجاوز مقل الكلمات لفهم الآخر وبناء جسور بين العقول والحضارات”.
وقد لاقت النسخة الكورية من “المقدمة” صدى واسعا في الأوساط الأكاديمية والثقافية في كوريا الجنوبية، حيث ساهمت في تعزيز الاهتمام بالحضارة الإسلامية والفكر العربي. ومن المنتظر أن تكون “المقدمة” محور مؤتمر مرئي هذا الصيف ضمن سلسلة “كلاسيكيات الأدب العالمي” في جامعة سيول الوطنية.
