من الحروب والصراعات الى الاحتفالات || هل اصبح السلاح جزءا من الهوية العراقية؟
كتبه : محمد الحسين
كان ولا يزال منظر السلاح مألوفًا في البيوت العراقية، وربما يعد جزءًا من الأنتيكات، حيث أن قطعة السلاح المميزة دائمًا تحتل مكانًا من خزانة الملابس ويُعلق بعضهم قطعة نادرة من السلاح على الجدار في غرفة استقبال الضيوف.
مع قطعة السلاح يشعرُ ربُّ المنزل بالأمان والسكينة، وهو يسعى دائمًا بأن يُعلم أبنائه على حمل السلاح، وكيفية استخدامه وادامته، ويعتبر ذلك جزءًا من واجباته في تربية أبنائه، إنه لا يعلمهم على القتل، ولكن كمصدر من مصادر تعزيز الرجولة لديهم.
ويتوهم من يظن أن السلاح قد صُنع للحروب والقتل فقط، فهو يستخدم في السلم أيضًا، وفي الأفراح غالبًا، وكذلك يستخدم في الرياضات، وللتعبير عن الفرح الشديد بالفوز، إذ يعبر العراقي عن فرحته بإطلاق النار، وعن حزنه، وعن الخير الذي يصيبه، وعن مدى شعوره بالفخر، وفي النزهة أيضًا، وحتى عن أمور أخرى يشعر أن هناك وقت مناسب لإطلاق النار من أجلها.
في الصغر شاهدتُ أبي مرات عديدة يحمل سلاحه ويطلق النار، مرة عندما اشترى سيارة جديدة، ومرة اخرى عندما قام بترميم المنزل، ومرة عندما جاءه حفيد جديد، كما شاهدته يطلق الرصاص في الجو من دون مناسبة فقط ليجعل الحمام يستنشق رائحة البارود، وكأن إطلاق النار أمر طبيعي جداً بالنسبة له.
لم يُعلمني أبي على حمل السلاح، ولكنني أيضا عرفتهُ بالفطرة، منذ إن كنت طفلاً صغيرًا رأيت أبي يفكك قطعة الكلاشينكوف ويغسلها ثم يعيد تجميعها، لا يفعل شيء سوى أنه يتأكد فقط من سلامتها وجهوزيتها، وكنت أشعر أن أبي كان في حالة حرب مستمرة، ليس وحده فقط، ولكن معظم ابناء جيله من الرجال كانوا على هذه الشاكلة.
وقد أدركت فيما بعد أن السلاح صار جزءًا من الهوية العراقية، وبات وجوده ضروريًا في كل بيت، وقد يكون ذلك سببه هو انعدام كبير للثقة بالمؤسسة العسكرية للبلاد، فصار المواطن العراقي يدرك مدى انهيار النظام في العراق وعدم تحقيقه للأمن، واصبح يعتمد على إمكانياته في واجب الدفاع عن نفسه، وصارت قناعته تفرض عليه أن التخلي عن السلاح يعني التخلي عن مبدأ الدفاع في بلد ينعدم فيه الأمن.

إن الحروب والصراعات والاضطرابات السياسية التي شهدها المجتمع العراقي في القرن العشرين وحتى زمن الغزو الامريكي جعلته يفكر أكثر في ثقافة تعزيز القوة من خلال السلاح، حتى باتت الدولة العراقية في مأزق من كيفية حصر السلاح بيد الدولة، خصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م ولأنها بالفعل قد تستطيع أن تجمع كل قطع السلاح، لكنها لن تقدر على أن تنزع فكرة التسلح من المواطن العراقي الذي لا يؤمن بالدولة بقدر ما يؤمن بالعشيرة والطائفة والفئة.
بين فترة وأخرى يسجل العراق عشرات النزاعات العشائرية، التي غالبا ما تسفر عن عدد كبير من الضحايا بسبب الترسانة الكبيرة التي تمتلكها بعض العشائر والتي لا تستطيع الدولة في نفس الوقت سحبها او السيطرة عليها، بسبب ارتباط هذه العشائر بالسلطات التنفيذية نفسها، أو بالفصائل المسلحة، وفي وقت لاحق أصبحت الفرق العسكرية تتدخل أيضا لفك النزاع بين عشيرتين، او تقوم عشيرتان بالاستعانة بالقوات الأمنية لشن هجماتها المتعارف عليها ب (الدگة) العشائرية.
وفقاً لآخر إحصائية عن أعداد قطع السلاح المنتشرة في الدول العربية، فقد حلّ العراق في المرتبة الثانية بعد اليمن بعدد يصل إلى 7.5 مليون قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية في البلاد، ولم يتم حتى الآن تشريع نص قانوني صريح يفرض على الشعب حصر السلاح بيد الدولة، بل الأدهى من ذلك قامت جهات في وزارة الداخلية باطلاق استمارة خاصة لترخيص حمل السلاح، فأصبح بإمكان أي شخص حمل أي قطعة من السلاح المرخص بموجب أمر الجهات المعنية، ثم تقوم الدولة بين فترة وأخرى بإهداء قطع من السلاح لشخصيات معينة كنوع من التكريم والأعتزاز بهم، أو في الواقع هي تفعل ذلك لغرض استمالة العشائر كدعاية انتخابية. فهل تسعى الدولة لتسليح الشعب بينما تريد في الوقت نفسه حصر السلاح بيد الدولة؟ وأي ازدواجية تقع فيها الحكومة؟ في الوقت الذي تشهد فيه البلاد انقسامات كبيرة، وتضارب مصالح بين فئات مختلفة.
