ما معنى أن نفكّر اليوم؟

كتبه : عز الدين الوافي | ناقد سينمائي من المغرب

لم يعد التفكير اليوم مجرّد نشاط عقلي هادئ كما كان يُتصوَّر في الماضي، بل أصبح ضرورة وجودية وسط عالمٍ سريع وممتلئ بالمعلومات والصور والأصوات. نحن نعيش زمن الفائض المعرفي، حيث يصلنا كل شيء في لحظة، لكن الحقيقة تختلط فيه بالرأي، والوقائع تختفي خلف الضجيج. لذلك صار التفكير أولًا قدرة على التمييز: أن نعرف ما الذي نقرأه، ومن أين يأتي، وما الذي يخفيه وراءه.

 

أن نفكّر اليوم يعني أيضًا أن نُبطئ من اندفاعنا. فالسرعة تحرمنا من الفهم، وتدفعنا إلى ردود فعلٍ فورية بدل التأمّل. التفكير فعلُ مقاومة ضد السطحية، وضد تحويل الإنسان إلى مجرّد مستهلكٍ للمعنى لا مُنتِج له.

 

ثم إن التفكير لم يعد شأنًا فرديًا فقط، بل صار مسؤولية أخلاقية. فقراراتنا، مهما بدت صغيرة، تؤثر في المجتمع والبيئة والغير. لذلك يصبح التفكير وعيًا بالآخر، وبالهشاشة المشتركة التي تجمع البشر.

 

وفي عالمٍ تتبدّل فيه القيم والهويات وأنماط العيش، يتحوّل التفكير إلى بحث عن المعنى: من نحن؟ كيف نعيش مع اختلافاتنا؟ وكيف نحافظ على إنسانيتنا أمام تغوّل التقنية؟

 

باختصار، أن نفكّر اليوم هو أن نمتلك شجاعة السؤال، ونعيد بناء وعينا بدل الاكتفاء بالأجوبة الجاهزة. هو أن نصنع مسافة بيننا وبين الضجيج، لكي نسمع صوتًا أعمق: صوت العقل والضمير والخيال، حيث يبدأ المعنى الحقيقي للحياة.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.