توفي أمس الاحد عازف البيانو الأسطوري لموسيقى الجاز والملحن وقائد الأوركسترا الأمريكي أحمد جمال عن عمر ناهز 92 عاما أمضى 84 عاما منها عازفا ومؤلفا خلاقا لألحان موسيقى الجاز التي عدها بمثابة “الموسيقى الكلاسيكية الأمريكية” في عصره.
وكان العازف الراحل الذي يعد من أهم عازفي البيانو في تاريخ موسيقى الجاز والموسيقى السمفونية العالمية، ولد في بيتسبرغ عام 1930 بإسم فريتز راسل جونز قبل أن يعتنق الإسلام حوالي عام 1952، ويغيّر اسمه إلى أحمد جمال منذئذ.
“لدى معظم عازفي البيانو لموسيقى الجاز، اليد اليمنى هي التي تعزف واليسرى تكملها. وهذا عندنا جميعًا، الا عند احمد جمال، فاليدان متساويتان ولا تنفصلان: “أحمد وحده صاحب السيادة عند العزف” كما قال مرة عازف البيانو الشهير رامزي لويس.. وبالفعل فاليدان تتحدثان معا عند احمد جمال. بل هناك لحظات خلال عزفه لا يكفي أن نقول اسمعوا ما تفعل يداه.. بل “انظروا ما تفعلان!”. فقد عرف ان يبتكر أسلوبًا مميزًا تمامًا، هذا المسافر الابدي في الالحان، الذي جال أنحاء العالم، مانحا موسيقاه هوية “عالمية” وجعلها زاخرة بمؤثرات جمالية مختلفة كما عبر عنها عدد مهم من اعماله ومنها ألبوماه (بعد الفجر) المليء بالمضامين الشرقية، و(مرسيليا) الذي أنتجه مع عبد الملك ومينا أكوسي في باريس.
واظهر جمال منذ ان كان مراهقًا براعة عالية رافقته طيلة حياته المهنية في موسيقى الجاز فيما شهد أسلوبه تطورا سريعًا منذئذ. وسرعان ما اكتسب عزفه تأثيرًا ونجاحًا تجاريًا بعد ألبومه الأول الصادر في عام 1958 الذي اعتبر أحد أكثر ألبومات العزف الموسيقي مبيعاً آنذاك.
وكان أحمد جمال رفيقا وصديقًا وملهما لأيقونة موسيقى الجاز مايلز ديفيس فضلا عن ان اسلوبه العبقري في العزف ألهم اجيالا متتابعة من كبار الموسيقيين لا سيما في موسيقى الجاز في الولايات المتحدة والعالم حيث اشتهر بأسلوبه الحواري في العزف وتمثل في توظيف ضربات ينتصر فيها الصمت العميق والرومانسي على الصخب المصاحب في لوحاته الموسيقية، وهو ما اسماه النقاد بـ “الديناميكية الخفيضة” التي قال الموسيقار الراحل بصددها إنه أراد تكريم ما وصفه بـ”الفجوات في الموسيقى” التي قد تماثل “الفجوات التي تمر في حياتنا”.
وفي مقال ظهر العام الماضي بمناسبة إطلاق بعض تسجيلاته غير المنشورة، أشارت مجلة نيويوركر إلى أنه في الخمسينيات من القرن الماضي، “كان مفهومه الموسيقي أحد الابتكارات العظيمة في ذلك الوقت، أصالة فائضة، بل جريئة “.
من جانبه كتب صديق حياته عازف البوق العالمي مايلز ديفيس: “كل إلهامي يأتي من أحمد جمال” مشيرا في مقال عن سيرته الذاتية، أن جمال “أذهلني بإحساسه بالفضاء، ولمساته الخفيفة، وبطريقة تعبيره عن النوتات والأوتار والمقاطع.”
ورغم انه نال جوائز عالمية وكبرى لا حصر لها في حياته المهنية الطويلة من بينها وسام الفنون والآداب الفرنسي وجائزة غرامي ، بيد انه لم يتردد في القول لصحيفة التايمز في عام 2022: “لا أكف عن التطوّر كلما جلست على البيانو لأعزف. هناك دائماً أفكار جديدة”..