تحديات النشر في الساحة الأدبية العربية

خاص- مدار24

تواجه الساحة الأدبية العربية تحديات جمة، تكبح جماح الإبداع وتعيق وصول الكتاب إلى جمهورهم المستهدف. فبين ارتفاع تكاليف النشر التقليدي، وانتشار النشر الذاتي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، يجد الكاتب العربي نفسه حائراً بين خيارات شائكة.

بغية استكشاف المعوقات التي تواجه الكتاب العرب في نشر أعمالهم، والوقوف على الآراء المختلفة حول مستقبل صناعة النشر في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، استطلع موقع مدار٢٤ آراء عدد من الكتاب العرب حول تحديات النشر ومستقبله.ولعل في صدارة هذه التحديات، ضعف البنية التحتية للنشر وغياب حملات تسويقية فعالة وعدم وجود استراتيجيات تسويقية مبتكرة وجذابة للكتاب العربي،


وفي هذا الصدد يرى الكاتب والأكاديمي العراقي عبدالهادي سعدون ان أكبر معضلة (على الرغم من أنها بدأت بحلول لم تجد سوقها الكبير بعد)، هو عدم وجود منظومة نشر متوازنة ومستقرة، أغلب دور النشر عمليات فردية أو عائلية نجاحها من نجاح نشاط ناشريها، ونجاح مؤلفيها أيضاً تبعاً لنجاح ونشاط الناشر أيضاً. اكرر هنا ـ على الرغم من وجود جهات نشر ناجحة ومهمة ظهرت في السنين العشر الأخيرة ـ إلا أن المؤلف مازال بلا حول وقوة يتبع مزاج ورغبات وخطط الناشر إلا من نماذج قليلة جداً. دون التطرق لمضلة دور النشر الحكومية أو تلك التي تظهر بغتة في سوق النشر وورائها رأس مالي عملاق من جهة أو دولة بحد ذاتها، فهذه كنت اتأمل منها فك الحصار عن المؤلف، ولكنها للأسف بدأت الدخول في دوامة النشر المعتقة.

من جانبه قال الشاعر المغربي صالح لبريني: يواجه الكاتب العربي واقعاً محفوفاً بعوائق كثيرة، وعلى رأسها نشر أعماله والسعي إلى تحقيق، ولو نسبياً، نوعاً من الانتشار، هذا التحدي الأول المتجلي في كيفية التعريف بالكِتاب؛ وثانيه الواقع الثقافي الذي يشجع على هجرة الكتابة والإبداع نظرا لما يعيشه من انتكاسات وحروب وهمية بين الكُتّاب فيما بينهم؛ وسياسة الدولة في تكريس اللاثقافة، وثالث التحديات غياب القرّاء الناتج طبعا بالإفلاس الكبير للتعليم في العالم العربي، والذي لا يشجع الطلبة على القراءة والنقد جراء المقررات الدراسية التي تكرس ثقافة الاجترار والحفظ ورد البضاعة التعلمية بحذافيرها، مما أفضى إلى تراجع نسب القراءة والإقبال على الكتاب في ظلّ التحولات الرهيبة التي يعرفها المجتمع العربي والعالم قاطبة بفعل الثورة المعلوماتية. ورابعها تملص دور النشر من طبع الكتاب وتحديدا الكتاب الإبداعي.

يضيف لبريني: في اعتقادي،أن عملية نشر الكتب المترجمة ،تبقى رهينة بالسياق السوسيو ثقافي والفكري السائد، حيث ينتصب السؤال كالنصل في وجه المترجم ،والمتمثل في نوعية  الكتب التي يمكن ترجمتها والتي يمكن أن تستحيب لانتظارات القاريء العربي وكذا الناشر على اعتبار أن هذا الأخير ينظر إلى الكتاب كسلعة للتسويق أولا قبل أن يكون منتوجا ثقافيا يساهم في تحريك المناخ الثقافي الراكد ،ويساعد على طرح أسئلة حارقة في ظل انعدام المقروئية و الإقبال على الكتاب.

من جهته قال الشاعر والمترجم المغربي مجاهد مصطفى إن أهم تحدي يواجهه الكاتب العربي في نشر كتبه ،يتمثّل بالصعوبات التي تعترض عملية النشر و عدم استيفاء حقوقه كاملة غير منقوصة من الناشر العربي ،في ظل انعدام الشفافية بين الناشر والكاتب ،وتعذر تتبع نسبة المبيعات من طرف هذا الأخير ،بحيث لا يحصل  على أي نسبة من مستحقاته جزاء جهوده التي تبقى مهدورة.

وبدوره، قال الأكاديمي التونسي جلال الغربي ان حركة النشر في البلاد العربية تفتقر إلى ديناميكية تسمح بظهور أقلام جديدة وذلك بفضل مقاربة تثمّن الخلق الحر وتحتفي بالنجاح.

وأضاف صاحب رواية “بحثا عن ظل”: لا أبيح النشر الذاتي لنفسي وأكبر معضلة أواجهها هي التوزيع في بلادي و التعريف بمنشوراتي, وهي أمور تستعصي على من كان مستقلا عن جميع الأطر.

بيضة المؤلف قبل ديك الناشر

ورغم تأكيده عن عدم مواجهة عقبات كبيرة فيما يتعلق بنشر كتابه الأخير بحكم العمر  الأدبي الطويل نسبياً، ولمعرفته بدور النشر وعلاقته المتميزة مع الأغلبية. يؤكد سعدون  وجود عقبات كبرى مع الأسماء الجديدة، وأحياناً مع الأسماء المتميزة : (أعرف العديد منها من الذين لا يستطيعون النشر دون دفع أو شروط مسبقة). الحقيقة هذا ظلم كبير، لأن المؤلف عامل أيضاً ويجتهد لفترة طويلة من أجل الكتابة، والناشر في كثير من الأحيان يتعامل مع المؤلفين بمِنة وتعالٍ وكأنه يقدم لهم الهبة الكبرى لمجرد نشر كتبهم، ولكن لو نظرنا للأمر من جانب آخر لرأينا أن لا وجود للناشر دون المؤلف، يعني أن بيضة المؤلف قبل ديك الناشر

من جهته أشار لبريني إلى أن الكاتب العربي يكابد ويعاني من واقع النشر في بداياته الأولى على مستوى نشر نصوصه في الجرائد والمجلات لاعتبارات كثيرة أهمها هيمنة السياسي على ما هو ثقافي، بمعنى إذا لم تكن منتميّا لمؤسسة حزبية فإبداعك لن يجد طريقه إلى النشر، بقدر ما يتمّ تهميشك وعدم الالتفات إلى تجربتك حتى وإن كانت لها فرادتها الإبداعية. فإذا كان واقع النشر على مستوى الجريدة أو المجلة، فما بالك على مستوى طبع العمل الإبداعي، في الحقيقة لم أفكّر في طبع أعمالي الشعرية، لأنني أعرف معاناة الأصدقاء المبدعين الذي طبعوا كتبهم على نفقتهم الخاصة، فكان الإفلاس لسان حالهم. لكن وقوف الأصدقاء في فرع اتحاد كتاب المغرب يسّر لي أمر نشر ديواني الأول “حانة المحو” لكن عملي الشعري الأخير وما قبله من أعمال لم أجد صراحة أي عقبات في طبعها في دور نشر عربية لها مكانتها في الساحة الثقافية العربية.

واقع النشر الذاتي وارتفاع التكاليف

ويواجه الكاتب المستقل تحديات كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف النشر، خاصة وأن عليه أن يتحمل عبء الرقابة الذاتية على المحتوى الذي ينشره. هذا بالإضافة إلى التكاليف المادية المرتفعة التي قد تعيق نشاطه. ومع ذلك، يرى الكاتب عبد الهادي سعدون أن هناك بعض الناشرين الذين يقدمون الدعم للكتاب المستقلين ويجازفون بنشر أعمال قد لا تجد قبولًا لدى الناشرين التقليديين. ويرى سعدون أن مسؤولية النشر لا تقع على عاتق الكاتب وحده، بل تشارك فيها جهات أخرى، بما في ذلك القراء.

رغم سهولة نشر كتبه لدى الناشرين المهتمين بالأعمال العالمية، يرى الكاتب مجاهد مصطفى أن مسألة الحصول على المستحقات المالية تبقى محاطة بالغموض.

فيما يرى لبريني أن الكاتب الذي ينشر كتابه على نفقته الخاصة إما يعيش في عالم خيالي أو يتجاهل الصعوبات الواقعية. يؤكد صاحب ديوان :<أبدية كاملة النقصان>.

إن تكاليف الطباعة، وقلة الإقبال على القراءة، وسلبيات الترويج الرقمي، جميعها عوامل تجعل الكاتب يعاني من الخسائر ويبتعد عن الإبداع

ويبدو أن الأزمة التي يعاني منها قطاع النشر في العالم العربي تتطلب أكثر من مجرد تشخيص للأعراض. فالأسباب عميقة ومتشابكة، والحلول تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف. يجب على صناع القرار أن يدركوا أهمية الثقافة في بناء المجتمعات، وأن يستثمروا في دعم الإبداع والكتاب. وعلى الكتاب أن يستمروا في الكتابة والنشر، وأن يبحثوا عن طرق جديدة للتواصل مع جمهورهم. وعلى القراء أن يدعموا الكتاب العربي وأن يجعلوا القراءة جزءًا من حياتهم اليومية. إن تغيير هذا الواقع ليس مستحيلاً، ولكن يتطلب من الجميع العمل معًا لتحقيق هذا الهدف.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.