كتبه : محمد الحسين _ العراق
الملا فاضل السكراني هو من أعمدة الشعر الشعبي في الاهواز، اسم خط بماء من ذهب في عموم مدينة الاهواز والوطن العربي وذلك من خلال شعره الشعبي الذي ارتقى به حتى صار يقرن بمآثر الشعراء الكبار.
بدأ بكتابة الشعر في سن العاشرة من عمره، ولازمه ذلك حتى وفاته فأخذ معه لقب “أبو الأبوذية” (قيل أنه كتب سبعة آلاف أبوذية)، وعرف عنه أنه يكتب ما يعيشه، ويعيش ما يكتبه، حيث كان شديد الحرص في لغته ومفرداته وأسلوبه الشعري الفريد الذي تميز به عن غيره من شعراء جيله وسابقيه سواء من الاهواز أو العراق.
فهو في شعره كما اتفق النقاد ينقلك من عالمك إلى عالمه الخاص الذي يطلعك فيه على حياة مختلفة من كل الجوانب، وبسبب ذلك قد تجاوزت شهرته حدود الاهواز وإيران، فهو مشهور في العراق ودول الخليج.
يصح القول أنه قد كان الملا فاضل السكراني بشعره في الاهواز كشجرة النخيل التي ثبتت عروقها في الأرض فهو قد ثبت أيضا عروق لغة الضاد في مدينته الاهواز وفي إيران عموما.
ولد الملا فاضل السكراني عام ١٩٢٣م في مدينة الفلاحية إحدى مدن الاهواز العريقة، جنوب غرب إيران، وهي مدينة تسكنها أغلبية يمكن تخيلها على أنها عبارة عن قطعة من جنان تشبه جنوب العراق وكان الملا يحب هذه المدينة، مسقط رأسه ودوحة صباه وشبابه وشيبته، حتى قيل أنه لم يخرج من مدينته إطلاقًا من فرط حبه لها. فنسمعه يقول عنها في قصيدة له بعنوان “أحبچ يا فلاحيتي” :
أحبچ يالغفيت بحضنچ الدافي وغطاي الحاف عتبارچ
احب أمسچ وحب يومچ وحب شمسچ اليشرگ نورها بدارچ
احب ثوارچ الثاروا وحبها الهلهلت لفعال ثوارچ
واسمه فاضل بن يعقوب بن الحاج عاشور بنسكران الشمري الطائي القحطاني، من أصول عربية خالصة، وشهرته الملا فاضل السكراني، تعلم الملا على يد شيوخ الفلاحية وكان والده شاعرا، فأخذ عنه نبوغه المبكر في الشعر، وقد درس في أولى المدارس التي تأسست في مدينته فحصل على شهادة السادس الابتدائي فقط.
انتمى إلى التيار القومي العروبي في خوزستان أوائل الستينات من القرن المنصرم وتم اعتقاله من قبل جهاز “السافاك”، وقد كان له تاريخ نضالي يشهد له باعتزازه بعروبته ودفاعه عن قضايا شعبه.
إن الذي يقرأ ديوان الملا السكراني يخطر بباله تمازج الفرس من سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي، وتمازج العرب من المتنبي، والمعري، والفرزدق.
رغم أنه لم يتأثر بالشعراء الشعبيين في العراق لكنه قال في أحد اللقاءات أنه تأثر بمظفر النواب، لكنه لم يقتبس منه، وقال أنه قراء لمحمود درويش ونزار قباني والسياب من العرب، كما قراء لأحمد شاملو ونيما يوشيج من إيران، لكنه قال أيضًا بصريح العبارة : “لم يعجبني الشعر الحر، وأكثر ما حفظت من شعر الفرس للخيام وبابا طاهر.”
ويقول الملا في حديث متلفز له : “نهلت من القرآن الكريم إذ وجدته في أسمى قيم البلاغة و الفصاحة وفي أعلى مراتب الحكم و البيان، كذالك تأثرت بنهج البلاغة و شرحها واشعار شعراء العرب من أهل المعلقات وغيرهم و خصوصا باشعار المخضرمين منهم، وقد يزداد تأثري و يستفز حماسي لشعر المتنبي والشريف الرضي و مهيار الديلمي وأبي العلاء المعري و امثالهم. كما تذوقت باشعار عنترة بن شداد و لبيد و زهير بن ابي سلمى و النابغة الذبياني.”
وفي يوم السبت الموافق ١۸ / ١/ ٢٠١٤م التحق شاعرُنا الكبير المُلا فاضل السَّكراني بالرفيقِ الأعلى تاركاً وراءَهُ شعراً سَكنَ قلوبَ مُحبّيه على اختلافِ انتماءاتِهم ومستوياتِهم الفكريةِ والثقافية، ترجل تاركا لمحبيه كوفيته الزرقاء وابوذياته الغزيرة، وقد دفن في حديقة الشعراء في مسقط رأسه الفلاحية، وبني على قبره نصب تذكاري عظيم يشبه نصب حافظ الشيرازي والخيام والمتنبي، والذي يعتبر اليوم متنفسا للشعراء ومكانا لاستذكار الشعر وتداوله.
لقد كتب الملا فاضل السكراني شعرا غزيرا في المدح والرثاء والغزل، وتغنى في شعره بتفاصيل الحياة ولحظاتها المرة والحزينة السعيدة على حد سواء، وكأن قلمه يسود على الورق ما تراه عينه وما يشعر به قلبه وما يدور في فكره.
ونقتطف هنا من ديوانه بعض ابوذياته الرائعة في الغزل :
ﺫﺑﻞ ﺳﺪﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩة ﻭﯾﺒﺲ ﻧﺒﮕﻪ
ﺍﺑﺒﺤﺮ ﻣﺸﮑﻞ ﺍﻟﯿﺮﮐﺲ ﺻﻌﺐ ﻧﺒﮕﻪ
ﺍﻟﻤﺘﻪ ﺍﺑﺬﻝ ﻫﺎﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﺱ ﻧﺒﮕﻪ
ﻧﻨﻮﺡ ﺍﻣﻦ ﺍﻷﺳﻪ ﻭ ﻧﻨﺼﺐ ﻋﺰﯾﻪ
***
ابوفه أحبال الوصل یا ترف شدها
و مبـاني الهدمــتـها ابغدر شدها
علي شصعب یناهي اشأمر شدها
مـن جـفـاک اشـلـفـاک وخنت بیه
***
سهم لحظک ینـاهـي وصّلیته
الـمـنه والصـبت گلبه وصّلیته
ابشرک شوگک الصدته وصّلیته
ابجدر فرگاک گلبي وخنت بیه
***
وحگ صوت الهوه و عوده ولحنه
جفاکم هشم الضلعي ولحنه
لنتوا بمشرق الدنيه ولحنه
ابغربهه اشمنع طلتكم عليه
***
ابیومک هاذ ما شفتک ولمساک
او اود کلساع اشوفنّک ولمساک
صمت وفطرت برضابک ولمساک
المسک عن مص رحیقک ضرر لیه
***
ﺑﺮﺣﻤﺘﮏ ﮐﻮّﻧﺖ ﻫﺎﻟﮑﻮﻥ ﻳﻤﮑﺎﻥ
ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺑْﻈــﻞ ﺣﻨــﺎﻧﻚ ﭼﯿﻒ ﯾﻤﮑﺎﻥ
ﺍﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﻭﺟــﻮﺩﮎ ﻭﯾﻦ ﯾﻤــــﮑﺎﻥ
ﺣﺘﯽ ﻳْﺼﯿــــﺮ ﻣﻮﻗــﻊ ﺳﻘــﺮ لیه
***
ينخلات الوفة الحالي تمرجن
حسافة أيامنا المرة تمرجن
رياح الغدر ما ردنا تمرجن
بعواصف بلا وترتاحن سوية