يبدو أن ما يحدث في الساحل السوري من سفك للدماء وترويع للسكان وإذلال جماعي مصوَّر ومبثوث على الملأ يسعى لتسريع مخطط بدأت معالمه تتضح منذ وصول الجولاني للسلطة.
فالقوى الإقليمية والدولية التي لا يريد أيٌّ منها سورية موحدة، ستجد من السهل الآن إقناع الفئات ذات الخصوصية المذهبية أو الإثنية أو حتى الاجتماعية أن تحتمي بها، بعد أن رأى الجميع ما حدث في الساحل وبعد أن تبين لمن لديه شك أن “جبهة النصرة” هي من تحكم بنفس ممارسات العقد الماضي.
ضع نفسك مثلا في مكان قيادي درزي رافض لتحويل منطقته إلى محمية إسرائيلية، ماذا عساه يقول لجمهوره الآن؟ الجولاني مستفيد بتقوية ولاء مقاتليه المتعطشين للتنكيل بالعلويين والذين كانوا يضيقون ذرعا بخطابه “الحداثي” الذي يسوّق به نفسه للخارج.
ما يحصل يجعله أيضا يبدو بطلا في أعين سكان المناطق التي ترى أن لديها ثأرا ضد العلويين الذين تعتبرهم مسؤولين بصغارهم وكبارهم عن ممارسات النظام السابق ضدها.
النقطتان أعلاه ليستا مستقلتين عن بعضهما، ربما يكون الجولاني مأمورا أن يخلق حالة رعب بين الأقليات تسهيلا للتقسيم وتمهيدا لاحتلال خارجي لجزء أكبر من البقعة التي سُلِّمت له مقابل احتفاظه بإقليم سنّي يدين له بالولاء المطلق.
في هذه الأثناء، النخبة المستبشرة بوصول الجولاني للسلطة موزعة في أغلبها بين وضعيات لا تختلف إلا بقدر ما تلتقي: فئة لا تخفي سعادتها بما يحصل وتشجع عليه، فئة تبرر وتلتمس الأعذار دون أن تجرؤ على التأييد الصريح، فئة تشكك في هذا الفيديو أو ذاك من منطلق الحس النقدي الذي لا يشتغل إلا حسب الطلب، فئة تنتقد بلطف شديد ما يحدث وبعبارات من نوع “ما يقع في الساحل فيه أخطاء” حتى تحتفظ بقشرة من الحيادية تستغلها عند الحاجة، فئة تردد الشعار الذي يقطر بالتفاهة والبلادة “هذه ليست أخلاق الثوار”. وفئة لاذت بالصمت وتفرغت لمتابعة مسلسلات رمضان.