الذكاء الاصطناعي و”العدالة المحجوبة” في العالم العربي

بقلم : خديجة بوعشرين || خاص مدار 24

 

في عصرٍ توصف فيه البيانات بأنها “النفط الجديد”، يبرز سؤال جوهري في أروقة العدالة: لمن تعود ملكية القانون؟ هل هو حكرٌ على نخبة من القضاة والمحامين خلف أبواب مغلقة، أم هو خدمة عامة يجب أن تكون متاحة بوضوح البرمجيات مفتوحة المصدر؟ بينما تبدأ مجتمعات متقدمة في تجربة “المستكشف القانوني” القائم على الذكاء الاصطناعي، يجد المواطن العربي نفسه عالقاً في مفارقة زمنية؛ فهو يعيش في القرن الحادي والعشرين تقنياً، لكنه يقاضي ويُقاضى ضمن نظامٍ قانوني ينتمي في آليات أرشفته وشفافيته إلى عهود ما قبل الرقمنة.

 

احتكار الحقيقة القانونية▪️

تعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة على القدرة على معالجة ملايين الوثائق والأحكام القضائية المنشورة لتقديم استشارات فورية بلغة بسيطة. هذا التحول ليس مجرد رفاهية تقنية، بل هو “ديمقراطية للمعلومة”. في المقابل، يظل الواقع العربي محكوماً بـ “التعتيم البيروقراطي”؛ حيث تفتقر معظم الدول العربية إلى قواعد بيانات رقمية شاملة ومتاحة للجمهور تضم السوابق القضائية. هذا الغياب للشفافية الرقمية يحول القانون من أداة حماية إلى “لغز” يتطلب فكه دفع مبالغ طائلة، مما يعزز الفجوة الطبقية في الوصول إلى العدالة.

 

سياسة “تأثير الخندق” والبحث عن مخرج▪️

تظهر البيانات أن النزاعات القانونية غالباً ما تؤدي إلى “تأثير الخندق” (Loopgraaf-effect)، حيث يتحصن كل طرف في موقفه وتزداد العدائية الشخصية حتى بعد صدور الحكم. الحلول الرقمية الحديثة تقدم “أدلة للمحادثة” تهدف إلى حل النزاع ودياً قبل أن تطأ أقدام الخصوم عتبة المحكمة.

في عالمنا العربي، حيث العواقب الاجتماعية للنزاعات القانونية (خاصة بين الجيران والأقارب) قد تمتد لعقود، تبدو الحاجة ماسة لـ “عدالة وقائية”. إن غياب الأدوات الرقمية التي تتنبأ بمآلات القضايا يدفع المواطن نحو صدامات قضائية استنزافية، كان يمكن تلافيها لو توفرت الشفافية التي تمنحها البيانات الكبرى.

 

أزمة الثقة والدرع الرقمي▪️

تشير الدراسات إلى أن فقدان الثقة في النظام القضائي يتزايد بشكل مطرد، لا سيما بين الفئات المهمشة. هنا، لا يعمل الذكاء الاصطناعي كقاضٍ فحسب، بل كجسر لاستعادة الثقة عبر توفير استشارات مجانية قائمة على “الحقائق التاريخية” المسجلة في ملايين الأحكام.

في المنطقة العربية، لا تزال الثقة في القضاء تصطدم بجدار من السرية والتعقيد. إن الرقمنة الشاملة للأحكام وتحليلها خوارزمياً سيعمل كـ “رقيب تقني” يضمن وحدة المعايير القانونية ويقلل من هامش الاجتهادات المتناقضة التي تغذي الشعور بالظلم.

 

إن الثورة المطلوبة في القضاء العربي ليست في مجرد شراء أجهزة حاسوب، بل في تبني فلسفة “العدالة الشفافة”. إن وجود مستكشف ذكي يبحث في أرشيف الملايين من الوثائق لتمكين الفرد من فهم حقوقه هو السلاح الأقوى ضد الفساد والمحسوبية. لقد آن الأوان لرفع الستار عن “الصندوق الأسود” للقانون العربي، فمن دون شفافية المعلومات، تظل العدالة مجرد مفهوم نظري، بعيد المنال للمواطن البسيط ومتاحاً فقط لمن يملك مفاتيح البيروقراطية.

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.