أشرف القرقني
أفضّلُ ألاّ
أقولَ شيئًا للنُّدبة الصّغيرة المخفيّة في صورة المرآة
تحت شفتيْ وجهٍ
كنتُ أظنُّه لبعض الوقت
وجهي.
أفضّلُ ألاّ
أجدَ القصيدة التي تقولُ جُمْلتي كلَّها
تلك التي طالما تعثّرتْ في لساني
منذُ أن كنتُ طفلاً عاريًا
بخيطٍ صغيرٍ رهيفٍ بين الفخذيْن
يرفع رأسهُ في ليالي الصّيف
إلى نجمةٍ هاربةٍ
ويُتأتئُ لها
بغمغمةٍ حارقة
أفضّل ألاّ
أوغلَ في شارع العُمر كثيرًا
كما أفضّل ألاّ أعود إلى أمسِ البعيد
ربّما كنتُ أفضّلُ لو أنّي لم أكنْ
مطلقًا
ولكن بعد فوات الأوان
لم يبقَ لي شيءٌ
سوى
أفضّل ألاّ…
حياتي قليلةٌ جدًّا؛
معزوفةُ أنفاسٍ مستوحشةٍ،
خطواتٌ في كتابٍ
ووثبةٌ في الحبّ
لا تتوقّفُ
لكنّه، هو الآخر حبٌّ قليلٌ
صغيرٌ جدًّا،
بحجم أبديّةٍ
في زجاجةٍ
أفضّل ألاّ أكسرها
ألاّ أفتحها فأثمل منها فوق طاقتها
أفضّل ألاّ
أكون المدعوّ إلى قعْرِها دون الجميع
ألاّ أتوقّف عن الإقامة في انتظارها
والأمل الأخير دومًا
بالفوز بها
أفضّل ألاّ
أذهب بعيدًا عن مغامرتي
تلك التي يفتكُّها من يدي
مثل مُدمنين في حانةٍ رخيصةٍ
ندامى لا أعرفُهم تمامًا
أفضّل ألاّ
أراها تندلقُ بعنفٍ على شواربهم الشّعثاء
ولحيّهم الشّبيهة بأشواك الهندي الصّفراء الصّغيرة
وقمصانهم البيضاء والحمراء
ذات المربّعات الصّغيرة الباهتة
كأنّها مسالكُ في مكاتب الدّولة الخربة
أفضّل ألاّ
يُصاحبني صديقٌ آخر سوى المجهول
وألاّ تنتهي بي هذه القصيدةُ
أبدًا
قبل أن يُشرق في الأفق إنسانٌ واحدٌ
جديرٌ بأغنيةٍ خارج المعبد
وكتابٍ مُنقًّى من السّيوف
لا يصلحُ لإبادة شعبٍ أعزل
شعبٍ من الأطفال
والأبطال الخارقين
بشظايا من بروقٍ لمعتْ في ما مضى
في رؤوس شعراءَ خلوا
كما يلمعُ البرقُ
في وحشة الغابة
شاعر من تونس، والقصيدة من ديوان : “حيوان عموديّ”