بلند الحيدري | وحدي أُكفن بالظلام تعاستي | نصوص

وخرجتُ الليلة

كانت في جيبي عشر هويات تسمح لي أن أخرج

هذي الليلة

اسمي بلند بن أكرم

وأنا لم أقتل أحداً …لم أسرق أحداً

وبجيبي عشر هويات تشهد لي

فلماذا لا أخرج هذي الليلة

***

ما أتعسني رجلاً، بيتًا، وطنًا

لا يولد إلا في الموت

ولا يكبر إلا في النسيان.

***

ما أكبر ذل الغربة

ما أتعس أن لا تعرف نفسك إنسانا

إلا في الغربة.

***

ما أقسى أن لا تملك من كل عشيات الأيام

إلا كرسيا منبوذا في مقهى

إلا عبث الأحلام.

***

كيف سأبرأ من صوتي

من صمتي.. من موتي

لا أدري لا اعرف

***

هذا هو ليل شتائك في المنفى

توقد كل براكين الأرض السبعة

لكنك لن تدفأ

مادام شتاؤك في قلبك

والمنفى فيك

فلن تهرب إلا من منفى وإلى منفى.

***

لن أذهب.. لن أذهب

ما أتعس أن أقضي كل حياتي في عتمة مكتبْ

نفس الوجه المرميِّ على الطاولة السوداء

نفس الزمن المترهِّل في الظل

ونفس الأوراق الملساء

نفس الحرف المتسائل عن حرف

***

أجمع ظلي في مصباح حيناً, وأوزعه حيناً

وضحكت لأني أدركت بأني أملك ظلي

وبأني أقدر أن أرميه ورائي

أن أغرقه في بركة ماء وحل

أن أسحقه تحت حذائي

أن أخنقه طيَّ ردائي

***

تطاردني بغداد

تحاصرني في كل زوايا المرآة

تصادرني نفياً متهماً بالجبن

لأني خفت على وجهي

من عيني

فآليت على أن أفقأ عيني

***

ها أنذا درب يتمرغ في عتمة أرقام

بحثاً عن زمن كان لنا

عن وطن كنا فيه

عن وطن أعمى كالتيه

أتمنى لو أدفن فيه.

***

وإنني سأموت والنسيان يقبر مطلعي

سأموت لا ماضٍ يحن لرؤيتي، يومًا

ولا خلٌّ سيدرك ما أعي

وحدي أكفن بالظلام تعاستي

____________________
بلند أكرم الحيدري : شاعر عراقي، كردي الأصل، ولد في بغداد 1926م وتوفي في لندن 1996م تعود أصوله لعائلة كردية من شمال العراق، عاش حياة مضطربة ومتشردا في بغداد، ويعتبر من رواد الحداثة الشعرية في العراق، قال عنه الشاعر بدر شاكر السياب : “يقف بلند الحيدري في طليعة الشعراء العراقيين الذين جددوا الشعر العراقي.”