قناة الجزيرة خطوة جديدة في لعبة تزييف الوعي

كتبه | فؤاد بلحسن _ المغرب

قد تتجاهل قناة الجزيرة مجزرةً أو اثنتَين، لكن إلى متى؟ وما هو الحد الأدنى الضروري من عمليات القتل حتى تحظى بتغطية مناسبة؟ أم أن الحد الضروري هو تَحقق التطهير العرقي فعليا؟. يُفترض في كل وسيلة إعلامية مسؤولة أن تَنْهضَ بدور وقائي ضد المآسي التي تُهدد الجماعات الثقافية. هذا الافتراض غير صحيح مع قناة الجزيرة.

ثَمة تَمَاهي ملحوظ يجب أن نتوقف عنده، وذلك حين نقارن بين أداء الجزيرة وأداء الدبلوماسية القطرية.إعلاميًا، يُقَدم أمراء قَطر للعالم كصُناع للسلام (محادثات السودانيين الشماليين والجنوبين؛ مفاوضات تثبيت الهدنة في غزة…) لكنهم، عمليًا، يَنخرطون ويُغامرون في عديد من النزاعات المسلحة : “في الحرب على العراق، في الحرب الأهلية السورية، في بدايات الحرب الأهلية اليمنية، في الحرب الأهلية الليبية، وغيرها.” وبالمثل، نجد أن للجزيرة وجهان متناقضان أيضا، يخضعان للاختيارات السياسية القطرية: في النزاعات السياسية والتفاعلات الجيوسياسية التي ينخرط فيها الأمير، تَحضُر الجزيرة كفاعلٍ مؤثر لا كسلطة إخبار؛ عبر أداء الوظيفة الدعائية المطلوبة لفائدة هذا الطرف أو ذاك.

وهنا، يُغَيب هاجس تقصي الحقيقة ليَفسح المجال للرغبة في التورية والإقناع والتجييش والإقصاء وحتى التزييف؛ عبر أساليب عديدة: اجتزاء القصص؛ تِكرار الخبر المُراد تَثْبيته في الأذهان؛ تحشيد الجمهور نحو سلوك معين؛ إسماع صوت محدد وكَتم الباقي؛ دفع المتلقي إلى اتخاذ موقف غير مطابق للوقائع؛..

الذي يجَعل الجزيرة تتستر على المجازر التي وقعت في سورية يومي 6 و7 مارس الجاري وخَلفت 1383 مدنيا قتيلا على الأقل، ليس جَهلها بالأحداث، وإنما اطمئنانها إلى سلطتها الجماهيرية وثقتها في قدرتها على تثبيت رواية بِعينها، بالنظر إلى غياب سلطة مضادة تَفضح تَحَيزها. ولا يخفى أن تغييب الموقف الوقائي في هذه الأحداث من خلال التجاهل وتبرير تدخل الجيش والجماعات المسلحة الرديفة له، كان يعني إعطاء مساحة زمنية إضافية لتنفيذ مزيدًا من المجازر.

تصرفت الجزيرة كفاعل في سوق بلا منافسة، مُستَنِدةً إلى تأييد الكتلة الجماهيرية الأوسع عربيًا، دون أي اعتبار لما قد يكون عليه موقف الأقليات ومخاوفها. نحن بصدد محطة إعلامية لا تستطيع صناعة الحدث فحسب، بل وأيضا صناعة اللاحدث [أي محو الحدث]، أي صناعة الصمت الميديولوجي إعلاميا بقصد تمرير المشاريع المرجوة واقعيا.

لَكُم التكتيك المُتبع: لِحجب ما جرى يومها، في البدء، قَدمت تأويلا حاسما للأسباب تحت مسمى «انقلاب الفلول» دون ذكر للمظالم التي تعرض لها سكان الساحل وأحدثت احتقانا واسعا هنالك [نفس التكتيك الذي حاول أن يجعل من 7 أكتوبر بداية المأساة الفلسطينية]، وبعدها، تَجاهلت وقائع المجازر، وأخيرا قامت بحَجب ملف المجازر بملفات أخرى:  ملف توقيع الاتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية» الكوردية أنا لا أتجاهل أهمية هذا الاتفاق بالنسبة لوحدة سورية وبعدها، ملف إحداث لجنة رسمية للتحقيق في الأحداث [تصور أن الجزيرة تتحدث عن لجنة لتقصي الحقيقة في الأحداث دون أن تقدم للمُشاهد تفصيلا موثقا، صوتا وصورة، عما هي هذه الأحداث التي استدعت إحداث اللجنة].

إن الأحداث الأخيرة في الساحل تَضعُنا على خطوات أقرب من عتبة حرب طائفية في الإقليم. وهنا يُطرح السؤال: إذا كانت القناة واعية بالخطر الطائفي الداهم، ما الذي يمنعها من الانخراط في نزع فتيله، وهي القناة المؤهلة أكثر من غيرها للقيام بهذا الدور؟. في الجواب عن هذا السؤال نُدرك جانبا من الأدوار القذرة لهذه الوسيلة الإعلامية الوظيفية. فإذا كان نظام أحمد الشرع يُشكل رهانا جيوسياسيا بالنسبة للقَطريين، فلا عَجب أن تلعب الجزيرة اللعبة نفسها مع هؤلاء، حتى لو حَملَها ذلك على العبور فوق المجازر والاصطفاف مع الإرهابيين.

_______________________________
* الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع مدار24

مقالات قد تعجبك
اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.