ثلاث قصائد || أيوب سعد

خاص | مدار 24

1-

تظلُّ خيمةُ أهلي بعيدةً

وأبكي الآن في المدى الفارغ.

الصحراءُ تقسو

وخيمةُ أهلي بعيدةٌ.

أسمعُ الأصواتَ

لكنَّ الصدى يبتلعُ النداء.

تُنذرني الريح:

“أنت الغريب هنا

عن العابرينَ الذين سبقوك في ضياعهم.”

ويأتي همسُ الغائب من خوفي:

“لا تُطِلْ ضياعَك،

فالريحُ قد تنسى من يحملها.

لن يُعاد تشكيلُك.

تقبَّلْ حياتَك كما هي:

رمادٌ تذروه الريحُ

نحو خيمةٍ

أقربَ إليكَ من سرابٍ،

وأبعدَ من يقين.”

تبكي الآن

ولكن ذلك لا يجدي نفعًا.

فخيمةُ أهلك بعيدةٌ

والصحراءُ

تقسو.

هل جئتَ بحثًا عن ظلٍّ؟

عن مرفأ؟

أم عن وجهٍ يُجهدك في مطاردته؟

لا ظلَّ هنا،

الدنيا أمٌّ قاسيةٌ

لا تمنحُ أبناءَها إلا العطش.

أتبعُ آثارَ من

ابتلعتْ آلامَهم الذكرى

وأبحثُ

عن نارٍ

تدلُّني على ماضي حياتي.

الدنيا

دمعةٌ سقطت

من عيني

ولا تعرفُ إلى أين تنتهي.

وكلُّ الألم،

الصحراءُ تقسو

وخيمةُ أهلي

ما زالت بعيدةً.

***

2-

الصحراء في الداخل

ضاعت قطيعي في المفرق

ولا نارٌ

تدلّني على بيتِ أمي.

لقد حاولتُ استعادة الوصايا

التي حفظتُ

ولكن ليل الغريب بلا ذاكرة.

فاستخدمتُ ما لديَّ من تعاويذ البادية

لأخسر خوفي

وتردّدي.

إن أعددتُ الأيامَ ستثقل أكثر

وإن تجاهلتُها

لا يعني ذلك شيئاً في حياةِ راعٍ ضاعت قطعانه.

وأنتظرُ

دون رجاءٍ

أن تنبتَ شجرةٌ

تُخبرني بأنّ الغيابَ له جذور.

يا ليلَ الضائع

هل تُضيءُ لي شيئًا؟

أم أظلُّ أُحصي نجومَك

كأنّها أبوابٌ

لم تُفتحْ يومًا؟

وحين تكلّمتُ مع كلّ الفراغ

أخبرني:

“الصحراءُ ليست فقط رمالًا،

إنها ذاكرةُ الذين مرّوا

الذين انتظروا

وحكاياتُ الذين نسوا أسماءهم.”

ولأنّني فقدتُ اسمي

صرتُ جزء من هذه الأرض

حتى لو أنكرتني.

كيف ستجيئين؟

ما مرّ ضاع

وما سيأتي ضائعٌ.

الطرقُ لا تحفظُ الوجوه

إنها تعاقبنا بالمسافة

وعندما تكون الصحراء في الداخل

تُخبرنا: أن العودة ليست خياراً.

هذا أنا تائهٌ

وأريد قولَ شيءٍ أخير:

حياتي التي أعيشها الآن

أعيشها ضمن مؤامرةٍ عليَّ.

***

3-

الغنّامة تبحث عن العشب

يمشي الرعاة بحثًا عن العشب

والقدماء لاكتشاف الطريق.

أما أنا

فأمضي لأفهم صيغةً

للتفكير في الغاية من ذلك!

لكي يصل كلٌّ منا إلى مبتغاه

علينا أن نسير.

الدرب مفتوح

والنية واضحة

والآمال المعلّقة على الأفكار

قد تُسقطها قِطّةٌ تعلمت الطيران خطأً.

والأشياء التي تأتي على غير توقّع

تُخرّب ترتيب الرغبات

وتعبث بانعكاس الوجوه في المرايا

إذ تروي غربة السؤال الموحش:

يداك مغلّفتان بالأسى

يداك تفسّران مهن الرُحّل

تشيران إلى نارٍ تهدي التائهين عن ديارهم

وتنتزعان من الريح العالية

قدرةً على التلويحِ

للنهار

بدنيا كاملةٍ من الظلمة؟

الدُّلّالون

يقفون

بصلابة صخرةٍ

وسؤالٍ يعلو صوت الريح

يعدّون خطوات غيرهم المكسورة

ويختبرون الخرائط التي

رسمتها صدفة الرمال

بالأسئلة:

لماذا يركض الإنسان؟ وإلى أين؟

وما زال الرعاة يبحثون عن العشب

والسؤال يُطوّق إجابات عطشى:

أيعرف المسير غايته

أم أن الغاية نفسها

امتدادُ الدرب؟

ربما لا تعرف الغنّامة أرض العشب

ولا تُدرك النهايات

لكنها تمشي

والمشي غاية.

ودائمًا

قبل مغادرة المراح

يملأ الراعي رأسه بحكمةٍ واحدة:

لا تسأل أبدًا عن الطريق

اسأل عن العشب.

_________________
* أيوب سعد : شاعر عراقي 

مقالات قد تعجبك
1 Comment
  1. [email protected] علق

    الشاعر العظيم أيّوب سعد

اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.